11المميز لديناإسبوعية ومخصصة

حقوق الطفل والتزامات المغرب الدولية

باتت حقوق الطفل في المغرب في تدهور مستمر، على الرغم من تصديقه على اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكولين الملحقين بها، واحتضانه للعديد من التظاهرات ذات الصلة بحقوق الطفولة، بحيث تشير كل التقارير بما فيها تلك الصادرة عن قطاعات حكومية إلى أن أوضاع الطفولة تتجه نحو الأفق المجهول، ما يؤكد أن الحكومة المغربية، التي تشتغل حول هذا الموضوع بعيدا عن مكونات المجتمع المدني وخاصة منه الحقوقي، منشغلة فقط باعتماد سياسة تدبيج الخطابات والإعلان عن البرامج والمخططات والاستراتيجيات الصورية.

في غفلة من الصراعات التي انشغل بها المغرب السياسي في العقود الماضية للحسم في احتكار سلطة القرار ومجالاته، ومقابل التبديد الذي تعرضت له أجزاء مهمة من ثروة الوطن، لتتحول إلى حسابات جارية في البنوك العالمية، كان مغرب آخر يكبر بيننا وتتسع دوائره داخل مساحاتنا الاجتماعية، ولم يتم الاهتمام بما يكفي بالاحتجاجات التي اخترقت فضاءاتنا العمومية باعتبارها مؤشر على الاحتقانات الاجتماعية، وظلت كما في كل مرة نخبنا السياسية المهيمنة غارقة في بحر الاشتغال بما يسمى بالسياسات الكبرى.

صراعات أفرزت خيبة أمل أجيال من فئات اجتماعية كان تهميشها وإقصاؤها من حقول الإنتاج الاجتماعي حائلا دون توفير الكرامة وضمان الإحساس بالأمان، وشكل ثمنا غاليا لسيرورة عمل معطوب، لم يتحرر من فرامل انطلاقته غير الواضحة بعد، حتى غدا الشارع ليس كالشارع، والأطفال ليسوا كالأطفال، وفقدت الأشياء هويتها وبدت كما لو أنها لم تكن من قبل.

كائنات متحركة

ومن ثمة صار الشارع عبارة عن كائن متحرك، لا يكشف عن أسراره منذ الوهلة الأولى لأي كان، إذ يتعين على من يرغب في الوقوف على خباياه ارتياده تدريجيا.. فهو مكان عبور من نقطة ثابتة إلى أخرى.. ففي مجتمعاتنا وخاصة بين فئاتها الشعبية تحول الشارع من مكان تعمره الفئات بصفة عرضية إلى مكان تعمره ساكنة مستقرة تارة ومتسكعة تارة أخرى، ووسط هؤلاء يظهر أطفال الشارع للعيان من خلال مظهرهم المخيف، بأيديهم خرق نتنة، يحتلون الأماكن الحساسة في المدينة “إشارات المرور، أبواب المدارس، الأسواق والأحياء الشعبية”، ويستعملون كافة المواد المخدرة من “السيلسيون” إلى الكحول، الحشيش، ومهدئات الأعصاب.

أطفال عاشوا سنوات في الشارع ودمرهم كليا هذا النمط من العيش، حيث التشرد المطلق، الإدمان، التدهور الصحي، العنف والنزوع إلى تدمير الكيان الجسدي، وحولهم إلى كائنات يصعب إدماجها، ما جعلهم يكونون خطرا على أنفسهم وعلى غيرهم.

وحسب دراسة أنجزتها العصبة المغربية لحماية الطفولة بتعاون مع مديرية التعاون الوطني وبدعم تقني من وزارة الصحة حول ظاهرة تشرد وتسول الأطفال، على صعيد جهة الرباط سلا زمور زعير، فإن الفقر والحرمان يعدان من الأسباب المباشرة التي تدفع الأطفال إلى مغادرة أهلهم وذويهم، إضافة إلى عوامل أخرى تتمثل على الخصوص في المشاكل الاجتماعية المترتبة عن الطلاق والإهمال وغياب الوالدين وسوء المعاملة أو التحرش الجنسي، وقد أظهرت الدراسة أن ثلثي هؤلاء الأطفال المشردين الذين يشكل الذكور 56% والإناث 44%، يعانون من أمراض مزمنة (السكري، الضغط الدموي، الربو، السل وفقر الدم..).

 حقوق ضائعة

سبق للمغرب أن وقع على اتفاقية حقوق الطفل، وحدد مصادقته على تعديلاتها في يونيو من سنة 1993 مع إبداء تحفظه على الفقرة الأولى من المادة الرابعة عشرة التي تنص على حرية الدين، وتضم الاتفاقية كل الحقوق التي نصت عليها سابقا معاهدات دولية مختلفة تعنى بحقوق الإنسان.

وتنص المادة الرابعة من الإتفاقية المذكورة على أن الدول الأطراف تتخذ كل التدابير التشريعية والإدارية وغيرها من التدابير الملائمة لإعمال الحقوق المعترف بها في هذه الإتفاقية، وفيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تتخذ الدول الأطراف هذه التدابير إلى أقصى حدود مواردها المتاحة، وحيثما يلزم في إطار التعاون الدولي، كما تعترف الدول الأطراف استنادا إلى المادة السادسة بأن لكل طفل حقا أصيلا في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه وبحقه في الاستفادة من العلاج والتطبيب وإعادة التأهيل الصحي، وتبدل الدول الأطراف ومن ضمنها المغرب قصارى جهدها لتضمن ألا يحرم أي طفل من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية وغيرها.

أما المادة السادسة والثلاثين فتنص على أن الدول تحمي الطفل من سائر أشكال الاستغلال الضارة، بحيث تتخذ كل التدابير المناسبة لتشجيع التأهيل البدني والنفسي، وإعادة الاندماج الاجتماعي للطفل الذي يقع ضحية أية شكل من أشكال الإهمال أو الاستغلال أو لإساءة أو التعذيب أو أي شكل من أشكال المعاملة القاسية أو اللاإنسانية و المهنية أو المنازعات المسلحة، ويجري هذا التأهيل وإعادة الاندماج في بيئة تعزز صحة الطفل وتحترم ذاته وكرامته.

غير أن هذه النصوص التي تزين بها الجهات المعنية خطاباتها في المحافل الوطنية والدولية، وتحاول عبثا من خلالها تلميع صورتها في الداخل والخارج، لا تعرف طريقها إلى النور، إذ تقبع في سجن كبير إسمه السجلات والرفوف.

وعلى الرغم من كل المبادرات المتخذة من طرف الوزارة المعنية، والتعاون الوطني ووكالة التنمية الإجتماعية، ضمن مخطط التنمية الإجتماعية ومنها برنامج محاربة التسول، وعلى الرغم كذلك من التوقيع على حوالي ثلاثون برنامجا اجتماعيا تعاقديا جديدا مطلع هذا العام، وتعبئة موارد مالية إضافية لتمويل هذه البرامج، فإنها تظل قاصرة ومحدودة، إذ لازلنا كمجتمع لم نرق بعد إلى طرح موضوع الطفل كموضوع مستقل، فانتشار ظاهرة الأطفال المشردين – يقول باحثون مغاربة- مردها إلى “انعدام توفير فضاءات لبلورة قدراتهم وتصريفها، في ضوء تنشئة اجتماعية تتوخى تقوية عوامل اندماجهم في المجتمع”.

هزالة اعتمادات المالية

وهو نفس المنحى الذي تسير في اتجاهه الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي تشير في بياناتها، إلى أن أسباب تدهور وضعية الطفولة في المغرب، تعود بالأساس إلى هزالة الاعتمادات والميزانيات المرصودة للقطاعات الاجتماعية ذات الصلة بإعمال حقوق الطفل، وارتفاع نسبة الفقر وسوء الأحوال الاجتماعية والاقتصادية، وانتشار الأمراض والأوبئة ونقص الحماية القانونية وبطء وعدم فعالية المساطر القضائية، كما تعود إلى الارتفاع الحاصل في وفيات الأطفال أقل من 5 سنوات، والتي تصل، حسب بلاغات الجمعية، إلى 37 في الألف بسبب الأمراض المختلفة والنقص الحاد في التغذية، والترتيب المتأخر للمغرب في مجالات الأمية والهدر المدرسي، بحيث تقول الجمعية “إن عدد الأطفال في سن التمدرس الذين يوجدون خلف أسوار المدارس بالمغرب يصل إلى حوالي 395 ألف طفل حسب تقرير المعرفة العربي لسنة 2009”.

وفي هذا السياق، طالبت الجمعية، الدولة المغربية، بالتنصيص في دستورها على حقوق الطفل، وأكدت على ضرورة “إنجاز التقرير الحكومي حول وضعية حقوق الطفولة، الذي كان من المفروض تقديمه للجنة حقوق الطفل سنة 2008، انسجاما مع مقتضيات اتفاقية حقوق الطفل التي تلزم الدول الأطراف بتقديم تقارير كل 5 سنوات”، مشددة على ضرورة المصادقة على الاتفاقيات ذات الصلة بحقوق الطفل، ومن ذلك الاتفاقية الخاصة بتحديد سن الزواج والرضا بالزواج وتسجيل العقود، والعمل من أجل ملائمة التشريع المغربي والمواثيق الدولية المتعلقة وذات الصلة بحقوق الطفل، وخلق مؤسسة وطنية مستقلة تعنى بحقوق الطفل تكون مهمتها تتبع أوضاع الطفولة وتلقي الشكايات.

كما تطالب الجمعية في بلاغاتها، بتمتيع الأطفال بحقوق الإنسان دون تمييز، واتخاذ التدابير اللازمة من أجل بلورة خطة وطنية لإعمال وتنفيذ مقتضيات الاتفاقية مع الحرص على إشراك المنظمات غير الحكومية المستقلة المهتمة بحقوق الطفل، والنهوض بالحق في التعبير ومشاركة الأطفال في كل شؤونهم، ودعت إلى اتخاذ جميع التدابير الملائمة لمنع جميع أشكال العنف ضد الأطفال وحمايتهم منها، بما في ذلك العنف البدني والنفسي والجنسي والتعذيب والعنف المنزلي والإهمال وسوء المعاملة من قبل المسؤولين في مراكز الشرطة والاحتجاز أو الرعاية الاجتماعية، مع التحقيق في حالات التعذيب وغيره من أشكال العنف ضد الأطفال، مؤكدة على ضرورة إصدار القانون المنظم لعمل خادمات البيوت قصد تمكين أجهزة تفتيش الشغل من مراقبة ظروف التشغيل في البيوت ومعاقبة مستغلي الطفلات دون السن القانونية للشغل في هذا المجال، والتحسين والرفع من المستوى المعيشي للأسر المغربية بما يكفل لها ولأطفالها حياة كريمة، ووضع حد للفوارق الشاسعة بين البادية والمدينة فيما يتعلق بالاستفادة من الخدمات الصحية والاجتماعية والثقافية، مع ضمان تمتع الطفل دون تمييز بأعلى مستويات الصحة الجسدية والعقلية يمكن بلوغها وإقامة نظم صحية وخدمات اجتماعية مستديمة، وتوفير مستوى كاف من الغداء والتغذية.

بقلم الكاتب: زياد القصابي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88