إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

دموع السماء وخدود الأرض

المطر كالطرف الأحور؛ يبهج النفس برؤيته حين تسيل الأودية وترتوي الشِعاب، فتضحك الأرض من بكاء السماء على خدودها الشاحبة الإهاب‏‏، لتهتزّ طربًا بنزوله وهي التي أخذها الخشوع من شدّة القحط، قال تعالى: (ومن آياته أنّك ‏ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزّت ‏وربت)، هذا حالها كما وصفها ﷲ، فكيف بحال البشر معه؟! يتباشرون ويحمدون، ويفرحون ويستبشرون، قال تعالى: ( الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابًا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفًا فترى الودْق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون).

فالمطر يجمع البعيد للتواصل، ويروّي عروق المفاصل، بالتنزّهة والنزهة، والتفسّح والفسحة، والاستجمام والجِمام، تزمّه عجلة الغمامة، فتستورق للراعي أغنامه، تعتبق بزهره الأجواء والأنفاس، ويبعث السعادة في قلوب الناس، وهو المرادف للغة الحياةِ والأمل، المزيّن للثرى بأبهى الحلل، كما هو فرحة طفل، وبسمة يائس، وموسم حصّاد، ومغنَم صـيّاد، وإحساس شاعر، وكرم الأول والآخر والباطن والظاهر.

والمطر رمزٌ للحب، ونجوى للذكرى، ومصدر للفرح، ووحي للشعر، وإلهامٌ للقلم، يرفرف قلبي عند دقات قطره على زجاج نافذتي؛ حنينًا واشتياقًا، وينقبض عند قريعه الصاخب ؛ فَرَقًا وارتياعًا،  فهل بعد الفراق لقاء، وهل بعد الوداع تلاقٍ ؟!.

وكثيرًا ما تغزّل الشعراء بقطراته، فأطفؤوا لهيب مشاعرهم بعذوبة نقائه، وبلّلوا أحلامهم برواء مائه.

قال نجم الحصيني:

ورائحة الشوق عند اللقاء

… كرائحة الأرض بعد المطر !

‏لأن حياةَ الثرى بعضُ مــاء

‏… وتحيا القلوبُ ببعضِ البشر

وقال منذر أبو حلتم مازجًا اللون بشعوره:

تعالي نلـوّن هـذا المطر

… تعالي نغنّي نشيد السحر

تعالي نلملم حلمًا جميلًا

… رسمـنـاه يومـاً ثـمّ انكسر

وقد قلت:

جمال المشارق في شمسها

 … وأُنس الليــالي في بـدرهـا

وسحر البسيطةِ في خُضْرها

 … وعطر الروابـيَ في زهرهـا

وقُرب الحبيبة من مهـجـتي 

… كروحِ السحابةِ في قطـرها

ورغم ما يوقده المطر في النفس والروح من المشاعر، فيغسل القلوب من الألم بأروع المناظر ، يظلّ لقطراته في زمننا مقياس، فهو اختبار لخطّة مشروع، ولمتانة جسور، ولمناعة سدود، ولبأس أوتاد، ولسَبْرِ أطناب، ولقوّة بنيان، فقليله إن أضرّ  فضيحة لفساد، وكاشف لخراب، آذنٌ لدمار، مُسفِرٌ عن استهتار، أمّا غزيره إن آذى فمصيبة وابتلاء، ونقيصة وبلاء، وقدرٌ ليس بنافعٍ معه حذر، وهو في كلمتين اثنتين اللعب فوق مراكب سيله جنون، والركض خلف مرابع ربيعه فتون!.

فاصلة منقوطة ؛

“إنّني في رعاية دائمة لا بأس بها، الشمس تحميني من المطر، والمطر من التجوّل، والتجوّل من اللصوص، واللّصوص من التبذير، وأزمة المواصلات تحميني من المسرح”.  محمد الماغوط

—————

إبراهيم الوابل – أبو سليمان

ibrahim7370@

الاثنين – الموافق

4 – 3 – 1440هـ 

12 – 11 – 2018م

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. الحمد لله من قبل ومن بعد.. الأمطار كانفاس منعشة تعيد للأرض وللبشر الروح والنبض.
    وسعادتنا تتضاعف ونفسياتنا تتغير للأجمل فقط حين تتساقط الأمطار
    فنرفع الاكف تضرعا ودعاءا لله عز وجل الذي رزقني هذا الرزق الجميل.
    مقال رائع استاذ إبراهيم ابهج قلوبنا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88