التراث الموروث ، والفكر الوارث
التراث الثقافي مورثٌ لا تماثله ثروة ، وله في ارتقاء وسموّ الهدف ذُروة ، لا تكفي الإشارة بقيمته مائة ندوة وندوة ، كنزٌ وإن رخص في أعين أهل الترف والمال ، ظلاله وارفة المنفعة وإن اهترى أوراقَه غبار الزمان.
فالحفاظ عليه واجب إنسانيّ ، وشعورٌ إيمانيّ ، وصون لهويّة ، بل وانتصار لقضيّة ، قد لا ندرك أبعادها ومداها إلّا بعد حين ؛ لأنّه يربط المرء بمنشئه وأصله ، وجذوره وفرعه.
ومن القضايا التي حفظها الموروث ونصرها ، قضية إحياء الشعر فبعدما وصل الشعر إلى انحطاط في رسم المشاعر تحت ما يسمى (بعبقرية الهندسة اللفظية)، فظنّ البعض أنّها من المعجزات الأدبية كقول الشاعر :
مودّته تدومُ لكلّ هولٍ
… وهل كلّ مودتهُ تدومُ
إذ البيت يُقرأ من اليمين إلى اليسار كما يُقرأ من اليسار إلى اليمين ، فأرى البيت عبارة عن هياكل كالأشباح المثيرة أفقدت روح تذوّق الشعر ، أو كقول الآخر :
كـأنّنـا والـماءُ مِـن حَولِنا
…. قَــومٌ جُلـوسٌ حَولهم مـاءُ
أو قول الثاني :
الأرضُ أرضٌ والسَّماءُ سماءٌ
.. والـمـاءُ مــاءٌ و الهَــواءُ هـواءُ
فالبيتان أجوفان بلا معنى ، لا يصلحان لنغم ولا مغنى ، فأقول : من أمثال هذا الأدب الضعيف ظهر المحمود بفكره والسامي بهدفه الشاعر الكبير محمود سامي البارودي (ت 1322هـ) ليعيد للأدب رونقه وللشعر عذوبته ، كما كان في العصور السالفة ، بمعارضاته الشعرية ، ومجاراته الأدبية ، ومحاكاته البلاغية ، لكبار الشعراء في العصر الجاهلي والإسلامي والأموي وخاصة العباسي .. فكان أن أعاد للشعر قدره وهيبته ، ووزنه وقيمته ، وذلك بمقاييسه العاطفية والخيالية والمعنوية فضلاً على الألفاظ الرصينة الجزلة التي لا يستدورها ويدور حولها القلق والضعف ، ولا تستهويها ركاكةٌ تظلّ بها حيرانة المعنى غريبة المقصد.
فصدق حين قال :
سيذكرُني بالشعر مَنْ لم يلاقِني
….. وذِكْرُ الفتى بعد المماتِ مِنَ العُمْرِ
ومن ذكره أسطر هذه المقالة ، إذ تخرّج من مدرسته ( الإحيائية ) أحمد شوقي المَشُوق بمجاراة عصره ، المُشَوِّق بأغراض شعره ، كما برز منها حافظ إبراهيم الحافظ للفصيح ، القريب بلفظه المليح ، وغيرهما الكثير ، فأصبح العاشق للأدب يتجسّد الشعر روحاً ، لا جثماناً انقطع عنه النفس والزفرة ، حين الحزن والمسرّة.
وغاية القول أنّ التراث الثقافي المقروء أعاد وأحيا لنا ما اندرس من روح الشعر وتذوّقه ..
فإذا كان الفن ثمرة الأدب ، والأدب غصنه الفكر ، والفكر بذرته المعتقد ، والمعتقد جذورٌ عميقة تُبقي شجرة الهويّة ، ههنا سؤالان :
هل قدّم التراث العربي السمعي والبصري بوثائقه ، كـ ( الأفلام ) والبرامج الإذاعية والتلفازية مع أدواته المختلفة القديمة في القرن العشرين والواحد والعشرين ما يشفع له في حفظه ؟! ، فإن كان هل تبنّته ورعته مؤسّسات ثقافية ، لتداركه قبل أن يدفنه الضياع ؟!
فأمس الأحد كان اليوم العالمي للتراث السمعي والبصري وذلك للمحافظة عليه عالمياً وليس عربياً فقط من الفقدان والتجاهل ، فالاتجاه نحو التقنية الحديثة يهدّد هذا التراث بأدواته القديمة في القرنين الماضيين وذلك بالإهمال ثم الانقراض .. !!.
– فاصلة منقوطة ؛
ولأسطرِ التاريخ ما تروي
… أنّ الـتـراثَ لأمّـــةٍ كـنـزُ
—
إبراهيم الوابل – أبو سليمان
ibrahim7370@
الاثنين – الموافق
20 – 2 – 1440هـ
28 – 10 – 2018م
الناس تنسى كل ءيء والا فعلا
واجب إنسانيّ ، وشعورٌ إيمانيّ ، وصون لهويّة ، بل وانتصار لقضيّة ، قد لا ندرك أبعادها ومداها إلّا بعد حين..
لكن من يفهم ويهتم ؟!!
مقال جميل ومتميز