الرياضة في مملكة المجد.. تفوق، تألق، تتويج وأرقام قياسية

تتوفر المملكة العربية السعودية على سجل رياضي ذهبي حافل بالإنتصارات والإنجازات، وتحولت منذ التسعينات من القرن الماضي مرورا ببداية الألفية الثالثة إلى الآن من بلد يقتصر رياضيوه فقط على المشاركة إلى بلد يقارع وينافس الدول الكبار على الألقاب والميداليات والأرقام القياسية سواء على المستوى القاري أو العالمي، ومن بين الرياضات التي أتبثت المملكة فيها تفوقها رياضة كرة القدم وألعاب القوى والفروسية، بحيث حققت على مستوى هذه الرياضات الثلاث أرقاما قياسية جديدة عربيا وآسيويا، متقدمة بذلك على منتخبات لها باع طويل وماض عريق في هذا المجال مثل المنتخب الياباني والعملاق الصيني والكوري الجنوبي.

تقرير : عبدالرحمان الأشعاري/ المغرب

إنجازات ما كان لها لتكون لولا عقلنة الموارد والبرمجة والتخطيط والإشارة هنا إلى برنامج التحول الوطني لعام 2020 ورؤية 2030، التي تهدف إلى “خلق مجتمع نابض بالحياة مع مستوى مرضٍ للمعيشة من خلال جملة من الأمور الأخرى” مثل تعزيز الرفاهية المادية والاجتماعية ونمط الحياة الصحية، وذلك عن طريق “تشجيع المشاركة الواسعة والمنتظمة في الألعاب الرياضية والأنشطة الرياضية، والعمل في شراكات مع القطاع الخاص لإنشاء مرافق وبرامج إضافية مخصصة، بهدف التفوق في الألعاب الرياضية والانضمام إلى الدول الرائدة في مجال الرياضات المختارة إقليميا وعالميا”.

 كرة القدم في المملكة

عندما نتحدث عن كرة القدم في المملكة العربية السعودية، الرياضة الأكثر انتشارا والأكثر شعبية، نسترجع من خلال ذاكرتنا الرياضية شريط كأس العالم 1994، ونسترجع معه لاعبون سجلوا أسماءهم بماء من ذهب في تاريخ كرة القدم العالمية، الأمر يتعلق بـ(محمد الدعيع، سامي الجابر، أحمد جميل، ماجد عبدالله، فهد الهريفي، سعيد العويران، عبدالله صالح، وفهد المهلل وآخرون…)، لاعبون تألقوا وبصموا على مشاركة متميزة وملفتة للأنظار، واستطاعوا وفي أول ظهور لهم في ميادين كرة القدم العالمية، التأهل للدور الثاني متجاوزين منتخبات عالمية عريقة ومرموقة لها خبرة وتجربة طويلة في الميدان مثل المنتخب البلجيكي. 

منتخب الصقور الخضر سيحضر مرة أخرى هذه الكأس العالمية في ثلاث مناسبات متتالية (1998، 2002، و2006)، لكن دون أن يعيد إنجاز 2004، بحيث خرج من الدور الأول، بعدها سيغيب عن دورتي جنوب إفريقيا 2010 والبرازيل 2014.

وفي هذا العام 2018، توج المنتخب السعودي جهوده في التصفيات الآسيوية المؤهلة لبطولة كأس العالم 2018 بحجز بطاقة التأهل مرة أخرى للمونديال (روسيا 2018) إثر فوزه التاريخي (1-0) على المنتخب الياباني، في الجولة العاشرة من مباريات المجموعة الثانية بالدور النهائي من التصفيات، غير أنه لم يتمكن من الصعود إلى الدور الثاني وخرج من دور المجموعات عقب انهزامه أمام كل من منتخبي روسيا البلد المضيف ومنتخب الأوروغواي، مسجلا فوزا واحدا فقط لكن مهما في الجولة الثالثة أمام المنتخب المصري الذي يقوده نجم ليفربول الإنجليزي اللاعب محمد صلاح بواقع (2-1).

أما على المستوى القاري، فإن للأخضر سجل قوي وحافل بالإنتصارات، إذ تمكن من الفوز بكأس آسيا للأمم ولأول مرة خلال العام 1984، ثم أعاد هذا الإنجاز أربعة أعوام بعد ذلك أي في العام 1988.

وفي العام 1996، سيعيد المنتخب السعودي مرة أخرى هذا الإنجاز، متغلبا في المباراة النهائية على منتخب الإمارات العربية المتحدة البلد المضيف بأربعة أهداف مقابل هدفين.

وفيما يخص فرق الدوري السعودي، فإن فريقي الهلال والاتحاد يسجلان معا حضورا قويا ومتميزا في كأس أبطال آسيا، إذ سبق للفريقين أن توجا بلقب بطولة الأبطال، الاتحاد خلال عامي 2004 و2005، والهلال في 1992 و2000، والدوري السعودي يعتبر من الدوريات القوية على المستوى الأسيوي والعالمي، ويكفي القول أنه سجل المرتبة السادسة عالميا في سوق الانتقالات الصيفية خلال هذا العام (2018)، متقدما على دوريات أوروبية كبيرة، مثل الدوري الروسي والبلجيكي والهولندي.

 رياضة ألعاب القوى 

بدورها تعتبر هذه الرياضة من الرياضات الأكثر انتشارا والأكثر شعبية بعد كرة القدم، وللمملكة فيها حصيلة إيجابية ومتميزة سواء على المستوى الأولمبي أو العالمي أو القاري أو على مستوى المشاركات العربية، آخرها كان فوز العداء السعودي طارق العمري ببرونزية سباق 5000م في دورة الألعاب الآسيوية التي احتضنتها خلال هذا العام (2018) العاصمة الأندونيسية جاكرتا.

ويعد هادي صوعان، أول عداء سعودي يفوز بميدالية فضية أولمبية، وقد حقق هذا السبق في دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في العاصمة الأسترالية سيدني العام 2000، إثر مشاركته في سباق 400 متر حواجز، مسجلا رقما آسيويا جديدا قدره (47.53 ث) الرتبة الثانية عالميا في ذلك العام، ثم تأتي بعده برونزية سعد شداد، التي فاز بها في بطولة العالم لألعاب القوى في السويد خلال العام 2005، عندما شارك في سباق 3000م موانع.

كما حقق اللاعب حمدان عوضه البيشي إنجازا متميزا آخر على الصعيد العالمي بفوزه بذهبية سباق 400م في بطولة العالم للشباب التي استضافتها في عام 2000 العاصمة الشيلية سانتياغو، وهي المرة الأولى التي يفوز بها لاعب سعودي بلقب بطل العالم في تاريخ الرياضة السعودية.

الإنجاز التاريخي الآخر في تاريخ المملكة العربية السعودية الرياضي كان في العام 2002 عندما حقق المنتخب السعودي لألعاب القوى 7 ميداليات ذهبية وواحدة فضية في الدورة الآسيوية ببوسان مقابل 4 ذهبيات للصين الشعبية واثنتين لليابان العريقة في ألعاب القوى الآسيوية وكانت تلك المرة الأولى التي يفوز بها لاعبو المملكة بالذهب في الدورات الآسيوية.

وفي العام 2004 احتضنت مدينة غريسيتو الإيطالية بطولة العالم لألعاب القوى للشباب حيث فاز إبراهيم الحميدي ببرونزية سباق 400م/ح بزمن قدره (48.94ث) الثاني في آسيا والثالث في العالم لفئة الشباب، وفي مسابقة الوثب الطويل سجل حسين طاهر السبع رقما جديدا قدره (8.35م) احتل به المرتبة الثالثة في العالم والأولى في آسيا.

وفيما يخص المشاركة النسوية، عرفت دورة الألعاب الآسيوية 2018 في جاكرتا الإندونيسية، المشاركة الأولى للمرأة السعودية في تاريخ مشاركات المملكة آسيويا، والحديث في هذا المقام عن مشاركة كل من العداءة سارة عطار، مزنه النصار، ودانة الشهري، اللواتي خضن منافسات ألعاب القوى، مزنه النصار في سباق 800 متر، ودانة الشهري سباق 100 متر، في حين شاركت صاحبة التجربة الدولية لخوضها أولمبياد لندن البريطانية 2012 وأولمبياد ريو دي جانيرو البرازيلية 2016، سارة عطار، في سباق 800 متر.

وشهد مجال الرياضة النسائية في السعودية، منذ عام 2010، نموا ملحوظا، وتطور بشكل أكبر عندما تأهلت عن المنطقة الآسيوية ولأول مرة كل من اللاعبتين وجدان شهرخاني في رياضة الجودو، وسارة عطار في رياضة العدو إلى أولمبياد لندن 2012.

 رياضات مختلفة

تتصدر الفروسية باقي الرياضات الأخرى، وبالخصوص صنف القفز على الحواجز، وقد استطاع 59 ممارسا لهذا الصنف الرياضي في المملكة من التأهل إلى الألعاب الأولمبية من العام 1996 إلى الآن، تمكن منهم الفارس خالد العيد في دورة سيدني 2000، وكل من الفارس عبدالله بن متعب ورمزي الدهامي وكمال باحمدان وعبدالله الشريتلي في دورة لندن 2012 من الفوز بالميدالية البرونزية.

المرأة السعودية بدورها كانت حاضرة في هذه الرياضة بفوز الفارسة السعودية، دلما ملحس، بالميدالية البرونزية، في دورة الألعاب الصيفية للشباب 2010 في سنغافورة،

ثم تأتي بعدها من حيث قيمة النتائج، رياضة كرة اليد، التي استطاع منتخبها من التأهل إلى كأس العالم ست مرات، وفوز أنديتها بالبطولة العربية خمس مرات.

رياضة التايكوندو هي الأخرى تعد واحدة من أكثر الألعاب الرياضية ممارسة في المملكة، حقق أفراد منتخبها انتصارات باهرة في البطولات الإقليمية والعسكرية خلال فترة التسعينات وبداية الألفية الثالثة، ويعتبر خالد الدوسري واحدا من أهم ممارسي هذه الرياضة في السعودية إذ تمكن من الفوز بميدالية ذهبية في بطولة العالم عام 1997 وتصفيات آسيا الأولمبية عام 1999، كما حصل على ميدالية فضية وميداليتين برونزيتين في بطولة آسيا عام 1998 و2002 و2004، بالإضافة إلى ميدالية برونزية في ألعاب آسيا عام 1996.

العنصر النسوي حاضر هو الآخر في هذه الرياضة في شخص اللاعبة نورة المري، التي تعد أول سعودية تخوض المنافسات الآسيوية وتحديدا في منافسات التايكوندو دورة جاكرتا 2018، حيث لعبت ضد الإندونيسية بيرماتا سينتا ناديا، ضمن دور 16 من منافسات 57 كلغ، نقص الخبرة الدولية عند اللاعبة السعودية منعها من الانتصار على بيرماتا، إلا أن مشاركتها الأولى تعتبر خطوة متقدمة لمنظومة الرياضة النسائية في السعودية التي تسعى لبناء جيل نسائي قوي لأولمبياد 2024.

اهتمام المملكة بالرياضة والرياضيين لم يقتصر فقط على الأسوياء، ولكن شمل أيضا الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، وفي هذا الإطار أرسلت المملكة عام 1996 ولأول مرة فريقا إلى دورة الألعاب (شبه أولمبية) الخاصة بهذه الفئة من المواطنين، بعدها توالت المشاركات خاصة في صنفي رفع الأثقال وألعاب القوى، وفي العام 2008، سيتمكن الفريق من التتويج بميداليتين واحدة ذهبية وأخرى فضية في رياضة القفز الثلاثي الخاصة بالرجال واحتل على إثرها المنتخب المرتبة 48 من بين 146 منتخب مشارك.

 برامج وتنمية وتخطيط

عندما تظهر النتائج وتتحقق الإنجازات، فإن التدبير ووضع الخطط والأهداف سواء القريبة أو المتوسطة أو البعيدة المدى يكون أمرا مطلوبا ومرغوبا فيه، وذلك من أجل المحافظة على هذه النتائج أولا والبحث عن أخرى في مجالات رياضية مغايرة ثانيا، في هذا السياق جاءت رؤية السعودية لعام 2030، التي أعلن عنها في أبريل من العام 2016، وهي خطة تسعى من خلالها المملكة العربية السعودية ليس فقط إلى تنويع اقتصادها والتصدي للتحديات الناجمة عن أسعار الطاقة العالمية المنخفضة، ولكن أيضا لبلورة تغييرات سوسيولوجية تمس نمط الحياة اليومي للمواطن السعودي.   

وتهدف هذه الرؤية كما سبقت الإشارة، إلى “خلق مجتمع نابض بالحياة على مستوى مرضٍ للمعيشة من خلال جملة من الأمور الأخرى” مثل تعزيز الرفاهية المادية والاجتماعية ونمط الحياة الصحية، كما تهدف إلى تحقيق التفوق في مختلف الأصناف الرياضية حتى تكون السعودية من بين الدول الرائدة في مجال الرياضات المختارة إقليميا وعالميا”، وذلك عن طريق “تشجيع المشاركة الواسعة والمنتظمة في الألعاب الرياضية والأنشطة الرياضية، والعمل في شراكات مع القطاع الخاص لإنشاء مرافق وبرامج إضافية مخصصة. . .”.

ولنفس الأسباب والأهداف، أطلقت الحكومة السعودية في يونيو من العام 2016، برنامج التحول الوطني لعام 2020 كمرحلة أولى من تنفيذ الرؤية السعودية لعام 2030 بهدف تحقيق الأهداف المرحلية بحلول عام 2020 من خلال عدد من المبادرات الاستراتيجية عبر 24 هيئة حكومية سعودية، بما في ذلك الهيئة العامة للرياضة، التي كان يطلق عليها في السابق الرئاسة العامة لرعاية الشباب.

ويضم برنامج التحول الوطني قائمة مكونة من 22 مبادرة مبنية على مجموعة من الأهداف الاستراتيجية الرئيسية من بينها، تشجيع الرياضة والأنشطة البدنية، تحسين عائد الاستثمار في الأندية والمنشآت الرياضية، وتمكين نخبة الرياضيين السعوديين من تحقيق أداء عالي بشكل دائم في مختلف الألعاب الرياضية.

ولتحقيق هذه الأهداف وإحداث تحسن كبير في الأداء في مختلف الأصناف الرياضية، كان لابد للحكومة من العمل في الجهة الأخرى على إعداد فضاء رياضي لائق للممارسة وبمعايير دولية، إذ ينص البرنامج كذلك على تحسين البنية التحتية الرياضية انطلاقا من المدارس والمعاهد والجامعات من خلال إضافة مرافق رياضية خاصة بالعنصر النسوي، وهي مبادرة تسعى من خلالها الحكومة إلى تمكين النساء من الوصول إلى الألعاب الرياضية في المملكة، وتشجيعا لذلك تم تعيين صاحبة السمو الملكي الأميرة ريما بندر آل سعود، رئيسا لإدارة جديدة لشؤون المرأة العامة للرياضة، وعموما فإن المقصد الأساسي من كل ذلك هو زيادة مساحة مشاركة المجتمع في الرياضة من 13 في المائة إلى 40 في المائة بحلول بداية العام 2030.