11المميز لديناإسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

الوطــن عقــل ووجــدان

يولد الإنسان في أسرة تستقبله، تحتضنه، وتربيه، وتنشئه؛ ليكون مستعدًا تمام الاستعداد ليبني حياته ويواصلها، ويضع بصمته فيها مؤثرًا وصانعًا فكرًا وعملاً وسلوكًا حقًا، وخيرًا، وجمالاً، أو هكذا نريد أن يكون الإنسان فعلا، وإن لم يكن دوما كذلك واقعا.

إلا أن تحقيق هذا يكون في وسط، وأرض، استقبلت مولده وأعطته من هوائها، ومائها، ما به استقام عوده وقويت شخصيته، بل ومنحته أمنه وسلامته؛ ليعرف كيف يحقق وجوده ويواصله.

إنه الوطن. لو أردنا تعريفه لوجدنا صعوبة كبرى توقّف أمامه أهل النظر من العقلاء، ولم يجدوا له تعريفا يحدّه ويحيط به؛ لأن التعريف تحديد عقلاني للماهية أو الخصائص أو الطبائع. ولكن ما هو الشيء الذي يمكن أن نسميه وطنا؟.

الوطن وجدان تعيشه النفس، وتستريح فيه الروح، وتعرف فيه أمانها، حب يسكن النفس ويوقف بقية الأسئلة. فلا يصحّ أن يقال لماذا تحب الوطن؟

الوطن إيمان تجد فيه النفس أمنها، وسكينتها، ولا يصحّ أن يقال وقتها لماذا تؤمن بالوطن؟

الوطن، انتماءٌتجد فيه النفس معناها واتجاهها، والانتماء هو السكن الفعلي للجسم والنفس؛ متى فقد الإنسان إحساسه بالانتماء تاه وضاع، وفقد وجوده كلّ معنى.

قد لا يشعر الإنسان في وطنه تارة بمثل هذه المشاعر وحالات الوجدان، بسبب التعود والروتين وتكرار الحركة في نفس المكان. ولكن ما إن يقترب من الحدود مسافرا حتى تشتعل في نفسه تلك المشاعر، ويدرك في كيانه أنه سيغادر مسكنه وأمنه، ويستشعر وقتها تلك الرابطة العميقة التي تسكنه أي رابطة الانتماء. وكلما ابتعد من حدود وطنه مسافرا، زاد هذا الشعور وقوي.

وبما أن الوطن وجدان يسكننا وحالة مستقرة في كياننا، وبما أن هذا الوجدان شرطا مهمًا من شروط حياتنا واستقرارها، فإن حب الوطن بهذا المعنى إيمان، والغدر به خيانة، والولاء له واجب.

ولأن الأمر بهذه الصورة؛ يصير المواطن بما هو الإنسان الفرد الحامل لشعور الانتماء والولاء للوطن؛ مُطالبًا بواجبات كبرى تجاه هذا الوطن. ولعلّ أهم الواجبات نحوه، واجب الولاء. والولاء وإن كان مبدأ وجدانيًا ونفسيًا هو الآخر، فإنه يوجه سلوكنا كله؛ فهو يدفعنا إلى التعلم، والعمل، والبحث عن القيم الكبرى لتحقيقها، أي قيم الحق والخير والجمال. فيترجم الإنسان بما هو مواطن حبه لوطنه عقليا وعمليا فتجتمع الوطنية في المواطن عقلا ووجدانا. ولهذا السبب فإن الوطنية تتملك الواحد منا، وكأنها غريزة بقاء للفرد والمجتمع، لا يمكن خرقها أو عصيانها. وإن حاول خرقها أو عصيانها فهو بذلك يخرق شرط وجوده، وأمنه، وبقائه، وشرط وجود الآخرين أيضًا.

يحق للمواطن إذن وهو يذكر وطنه الذي يسكنه في وجدانه وعقله، أن يتغنى بوطنه، ويجدد هذا الحبّ ويتعهده، ويجتهد أكثر في خدمته، وتنميته؛ ليقوى أكثر وأكثر.

إن الوطن في عيده إنما هو تجديد للعهد والولاء، تجديد يطلب من كل فرد مزيدٌ من العمل، ومزيدٌ من العلم؛ إذ أن الوجدان الذي لا يحرسه عقل وعلم يضعف ويتلاشى. فلا يقوى وطن ويكبر، ومواطنوه ينبذون العلم والتعلم، والعقل والمعقول. والمواطن العاقل والعامل هو المواطن الحق؛ لأنه يسخر طاقاته الإنسانية من أجل التعبير واقعيا عن هذا الحب؛ ليكون أداة بناء لا أداة تخريب.

وما أجمل الوطن الذي يسع الجميع مهما اختلفوا في أشكال تفكيرهم، ورؤاهم، وأذواقهم، لأنهم وإن اختلفوا في كل هذا وأكثر، فإن حبهم لوطنهم وولاءهم له هو الذي يجمعهم ويصير هذا الاختلاف تنوعا، وقوة، وثراء، وخصوبة، تزيد الوطن قوة وعزة.  

فكل عام والوطن بخير، كل عام والمملكة العربية السعودية تصدح مأذن الحرمين بذكر الرحمن.

ومن تونس الخضراء أقدم أسمى التهاني للقيادة الحكيمة، ولزملائي الأكاديميين في الإحساء، وللشعب السعودي كافة، ودامت بلداننا بأمن ورخاء.

??????????????????

بقلم الدكتور/ نور الدين السافي

أستاذ الفلسفة في جامعة الملك فيصل بالإحساء

مقالات ذات صلة

‫10 تعليقات

  1. بسم الله الرحمن الرحيم
    شكرا دكتور نور الدين على هذا المقال الجميل ، الذي قدم لنا فلسفة جميلة لمعنى الوطن والمواطنة , وكل عام والمملكة العربية السعودية بخير .

  2. الشكر موصول لك دكتور على هذه الورقة الهادفة والمفيدة، وفعلا فحب الوطن هو الذي يذيب الخلافات في الآراء والرؤى والأذواق فتصير اختلاف تنوع وخصوبة وثراء تزيد الوطن قوة وعزة.
    تحياتي

  3. أشكرك الشكر الجزيل على هذه المقالة التي تتحدث عن موضوع الوطن والوطنية، وهو من المواضيع المهمة والمهمة جدا، على اعتبار أن الوطن كما قلتم وجدان تعيشه النفس وتستريح فيه الروح وتعرف فيه أمانها.. شكرا لك على هذه المعلومات القيمة والمفيدة..
    حياك الله

  4. شكرا لك و لي قلمك دكتور فلقد ابداع في تسطير هذه الكلمات النابعة من قلبك. فلا شيء اجمل من التغني بالوطن.

  5. دون ارض الوطن كيف نعيش دون ارض الوطن كيف نحيا
    وطني. الماء والطعام وطني الهواء الذي أتنفس منه
    لست يتيما في بلادي
    الوطن الام
    والشعب اسرتي
    والعلم الأخضر يرفرف في فوادي
    كل عام وبلادي بخير

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88