11المميز لديناإسبوعية ومخصصة

كيف تُحارب المملكة المغربية فلول التطرف والإرهاب؟

إيمانًا منها بأن المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي في محاربة الإرهاب والتطرف الديني، سارعت المملكة المغربية إلى مباشرة عدد مهم من الإصلاحات الاستباقية على مستوى الحقل الديني والتربوي التعليمي بهدف إعادة هيكلته لتأهيله والارتقاء به، وقد شملت هذه الإصلاحات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية نفسها والمجالس العلمية وكذلك مساجد المملكة، ودار الحديث الحسنية وغيرها من المؤسسات الدينية، ولم تستثن الجالية المغربية في الخارج من تلك الجهود، حيث أنشئ مجلس علماء مغاربة في أوروبا، وفي نفس السياق، تم تأهيل عدد من الدعاة والداعيات، ومن الجوانب الإيجابية الأخرى لهذا الإصلاح، تقديم منح بحثية للأئمة والدعاة وخريجي جامعة القرويين للعلوم الدينية في مدينة فاس واستكمال الدراسة في جامعات انغلوساكسونية بالخارج، في مسعى جاد يتجه نحو استعادة نموذج التدين المغربي المرتبط بمذهب الإمام مالك والعقيدة الأشعرية والتصوف السني.

الاهتمام بمساجد المملكة

وقد شملت هذه الإصلاحات، التي تأتي في سياق تصاعد الفهم السيئ للدين، وتصاعد التيار الديني المتطرف والعنيف وبالتالي انتشار الأفكار المخربة والهدامة والدخيلة على الدين، كذلك مساجد المملكة، بحيث عمدت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى التوقيع في الحفل الديني الذي ترأسه جلالة الملك محمد السادس عام 2007 بمسجد الكتبية بحافظة مراكش بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف الذي يتزامن مع اليوم الوطني للمساجد، على عدد من اتفاقيات شراكة مع عدد من الوزارات والمؤسسات العمومية.

وتهدف هذه الاتفاقيات إلى التعاون على تنفيذ المخطط الوطني للارتقاء بالمساجد، من خلال تأكيدها على إعداد خرائط للمساجد على مستوى كل عمالة وإقليم وإعداد خرائط مسحية لكل المواقع التي من شأنها أن تستقبل مشاريع بناء مساجد جديدة بالإضافة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتسهيل تفويت ملكية الأراضي اللازمة بالمجان لبناء هذه المساجد، وإحداث حساب لدعمها وتمويلها، وتلتزم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بمقتضى هذه الاتفاقيات باستعمال هذه الموارد لبناء المساجد وتجهيزها وصيانتها وفقًا للمقتضيات القانونية والتنظيمية المعمول بها في هذا المجال.

وتهدف هذه الإتفاقيات كذلك إلى تجهيز قرى الصيد البحري بالمساجد وتأطيرها وتوفير قاعات للصلاة في نقط التفريغ المجهزة، والحرص على إعداد وثائق للتعمير وفتح مناطق جديدة، وتخصيص بقع أرضية لبناء المساجد مع العمل على توفير كل التجهيزات الضرورية لحسن تسيير المساجد التي تتولى بناءها المؤسسات العمومية في الإسكان أو تلك التي سينجزها المنعشون العقاريون الخواص.

كما تهدف الاتفاقيات إلى استثمار أموال وقفية وتدبيرها، عن طريق الاستفادة من خبرات وتجربة صندوق الإيداع والتدبير لاستثمار الأملاك الوقفية وتنميتها، وبمقتضى هذه الاتفاقيات سيتم البحث عن الفرص الاستثمارية الملائمة وعالية المردودية وإنجاز دراسات لجدواها التقنية والمالية، أما ريع الأملاك الوقفية فسيخصص أساسًا لتحسين تدبير بيوت الله والعناية بها، وبموجب هذه الاتفاقيات كذلك سيتم تحديد تسعيرة خاصة لاستهلاك الماء والكهرباء بالمساجد وتعميم ربطها بالشبكة الوطنية، مع دراسة إمكانية تمتيعها بتسعيرة تفضيلية.

وبالموازاة مع ذلك، انطلقت عملية تنفيذ الخطة الوطنية للارتقاء بالمساجد، وتهدف هذه الخطة إلى سد الخصاص في المساجد المسجل في بعض الأحياء الحضرية، وبرمجة بناء مساجد جديدة بالمناطق المفتوحة للتعمير لمواكبة وتيرة التزايد السكاني والتوزيع العمراني، كما تهدف الخطة إلى تعبئة الإمكانيات والموارد للعناية أكثر بالمساجد ومحيطها وتفريشها، وإنجاز الولوجيات لذوي الاحتياجات الخاصة، وإحداث مكتبات للعموم بها، والارتقاء برسالتها التعبدية والتعليمية والاجتماعية، وتمتيع جميع أئمتها وذويهم من التغطية الصحية الأساسية التكميلية والخدمات الممنوحة في إطار التأمين الإجباري على المرض الذي يسيره الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي.

تكوين الأئمة والمرشدين

وقد تم تتويج هيكلة الحقل الديني بترشيد العمل الديني وتأهيله، وذلك بتكوين الأئمة والمرشدين، وتنظيم دورات تدريبية للقيمين الدينيين، كما يقول الباحث عبدالله المعصر، قصد الرفع من المردودية العلمية والعملية لهذه الفئة، وتأهيلها تأهيلًا ينسجم مع المشهد الجديد للإصلاح الديني، وهكذا أصدرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية دليل الإمام والخطيب، وأحدثت شبكة للتواصل بين الأئمة والمواطنين، وتبنت الوزارة استراتيجية إعلامية جديدة تتمثل في انطلاق برنامج الوعظ والإرشاد وتكوين الأئمة في المساجد باستعمال البث التلفزي في حوالي 2000 مسجد.

وفي إطار هيكلة الحقل الديني دائمًا، يضيف المعصر، تمت إعادة هيكلة المجلس العلمي الأعلى وقد تميزت الهيكلة الجديدة للمجالس العلمية بمجموعة من الإضافات النوعية، منها على الخصوص، توسيع خريطة المجالس العلمية المحلية و إعادة هيكلتها: يقول جلالة الملك محمد السادس، نصره الله “وسيرًا على نهجنا في اعتماد اللامركزية وعدم التمركز قررنا أن يُعاد النظر في خريطة المجالس العلمية المحلية، وهكذا سيتم تعميمها ليكون لكل عمالة وإقليم مجلسها العلمي، ليتحقق ما نلح عليه، من ضرورة مراعاة خصوصيات وتقاليد أهل كل منطقة والتجاوب مع تساؤلاتهم الدينية” من خطاب أمير المؤمنين الملك محمد السادس بتطوان بتاريخ 27 شتنبر 2008م، وبذلك عمت المجالس العلمية كل العمالات والأقاليم، وأصبح عددها يضم سبعين مجلسًا بما في ذلك المجلس العلمي للجالية المغربية، وإشراك المرأة العالمة في المجالس العلمية، والتي جعل جلالة الملك مشاركتها “إنصافًا لها ومساواة مع شقيقها الرجل” من خطاب جلالة الملك محمد السادس بتاريخ 30 أبريل 2004 وهي من مظاهر التجديد في تدبير الشأن الديني بالمغرب، حيث تم إشراك المرأة العالمة في المجالس العلمية، مما انعكست آثاره على قضايا المرأة والأسرة والطفولة والشباب، فقد انفتحت على فضاءات متعددة، مثل المؤسسات التعليمية، ودور العجزة والسجون، ولم تقتصر على المدن بل وصلت هذه التجربة إلى البوادي “تجربة المغرب نموذج مبتكر في تفعيل رسالة العلماء وتجديد حيويتها :محمد يسف مجلة المجلس العدد الأول رمضان 1428 أكتوبر 2007م”، وأيضًا تقنين الإفتاء: وذلك بإحداث الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء، وتشكل هذه الهيئة، يواصل الباحث عبدالله المعصر، أحد المكونات الأساسية للمجلس العلمي في هيكلته وتركيبته الجديدة، وتختص بإصدار الفتاوى الرامية إلى بيان حكم الشريعة الإسلامية في القضايا ذات الصبغة العامة.

إشادات وشهادات دولية

وتركت هذه المجهودات الجبارة التي شمت كل جوانب الحياة الدينية، آثارًا إيجابية على المستوى الدولي، وفي هذا الإطار، اعتبرت كاثرين مارشال، العضو البارز في مركز بيركلي للأديان والسلام والشؤون الدولية التابع لجامعة جورج تاون بواشنطن، مؤخرًا، أن إصلاح الحقل الديني في المغرب يشكل نموذجًا في المنطقة العربية، خصوصًا في ما يتعلق بالمدونة الجديدة للأسرة، وأكدت في تصريح للصحافة على هامش اجتماع نظمه مركز بيركلي حول سبل تشجيع الحوار والتفاهم بين الأديان، أن تجربة المرشدات تشكل أحد المظاهر المجددة في إصلاح الحقل الديني في المغرب.

وأبرزت مارشال، في هذا السياق، الطابع المعتدل للإسلام في المملكة، منوهة في هذا الصدد بالإصلاحات، خصوصًا ذات الطابع الاجتماعي، التي انخرط فيها المغرب خلال السنوات العشر الماضية، وشددت على أن المغرب سيظل يشكل، بفضل “استقراره الكبير”، استثناء في المنطقة العربية حيث تعتبر بعض البلدان عرضة لانتفاضات شعبية، وأوضحت أن الاستثناء المغربي، الذي يتمحور بالخصوص حول مشهد سياسي نشيط وحيوي، يستمد قوته “من ملكية دستورية يعود تاريخها إلى أكثر من ثلاثة قرون”، مبرزة الإصلاحات التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس منذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين.

من جهتها، أكدت أسبوعية “جون أفريك” الدولية في أحد أعدادها، على أهمية إصلاح الحقل الديني الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مشيرة إلى أن هذا الإصلاح “لا يقل أهمية عن أي تحد اقتصادي كبير”، وكتبت “جون أفريك” أنه كما ذكر بذلك جلالة الملك، في الخطاب الذي وجهه بمناسبة الدورة العادية للمجلس العلمي الأعلى، فإن هذا الإصلاح يهم المؤسسات الدينية والعاملين بها وكذا ما أسماه جلالة الملك بـ”الأمن الروحي” وذكرت المجلة، في هذا الصدد، بأن “الأمة المغربية اختارت المذهب المالكي”، ومن ثمة “تعود للملك، الذي هو أمير للمؤمنين، أمانة السهر على الحفاظ عليه”، مضيفة وأضافت أنه تم إبراز هذا الأصل المذهبي في الخطاب المؤسس الذي ألقاه جلالة الملك أمام المجلس العلمي الأعلى والمجالس الإقليمية العلمية في 30 أبريل 2004 بالدار البيضاء” والذي أكَّد فيه جلالته على أن “الشأن الديني يستوجب التشبث بالمرجعية التاريخية الواحدة للمذهب المالكي السني”.

وأشارت المجلة إلى أن جلالة الملك أعلن في الخطاب نفسه عن “استراتيجية مندمجة وشمولية”، قصد تحصين المملكة من “نوازع التطرف والإرهاب وحفاظًا على هويتها المتميزة بالوسطية والاعتدال والتسامح”، ومن بين مختلف مجالات الحقل الديني التي شملها هذا الإصلاح، تطرقت المجلة إلى “إشراك المرأة المتفقهة في المجالس العلمية إنصافًا لها ومساواة مع شقيقها الرجل”.

 

بقلم الكاتب / زياد القصابي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88