11المميز لديناشخصية ذات بصمة

‏”شخصية الأسبوع” أ.د. عبدالله بن أحمد الفَيْفي : ”النقد الأكاديمي منتج فكري لاقيام له بدون أدب”

هو مثقف قضى حياة جمع فيها الحس الثقافي الواعي بالشعر والعذوبة والنقد الأدبي، وتنقل مرتحلًا بين جنبات المناطق وما تزال فَيْفاء موطن ذكرياته الأقرب، حيث كان كلكامش وأوديسيوس.. هاجسًا في أساطيره الشعرية إلا أنه لا يزال الناقد الملحاح، ولكنه منذ عهد بعيد أضاف الى عمل الناقد عمل الروائي، وكان نصيبه من الرواية مهمًّا مثل نصيبه من الشعر.

إنه الشاعر والروائي والناقد والأكاديمي: الأستاذ الدكتور/ عبدالله بن أحمد بن علي الفَيْفي الذي يطلع علينا من حين إلى حين بدراسة لافتة، أو بقصيدة يغرف فيها من معين ذاكرته وواقعه، أو بتغريدة تقلب الموازين، فكان لا بد أن ندلف لكل ذلك عبر هذا الحوار.

أجرى الحوار / عادل نايف الحربي

_ أ.د. عبدالله الفيفي بالبداية حدثنا عن بطاقتك الشخصية وجانب من سيرتك الذاتية لنزيد القارئ بمعلومات أخرى ؟

  • ‏من مواليد جبال فَيْفاء، بجنوب المملكة العربية السعودية.  ‏تنقلت مابين العمل الأكاديمي والاجتماعي والوطني. ‏كتبت الشعر مبكرًا، ودرَّست الأدب والنقد القديم الحديث في جامعة الملك سعود بالرياض، ‏عينت عضوًا في مجلس الشورى لثلاث دورات، لمدة ١٢ سنة، من ١٤٢٦ إلى ١٤٣٨هجرية ، ‏لي مؤلفات وبحوث ومشاركات في عدة محافل ومؤتمرات محلية ودولية.

  • -[box type=”shadow” ]عبدالله الفيفي الشاعر والناقد الأكاديمي لا ينفصل عن المناضل الوطني في مجلس الشورى وخلافه [/box]

س1) في جنبات جبال فَيْفاء حيث كنتم ترتعون، كيف كانت النشأة وما مدى تأثيرها على هويتكم الثقافية؟ 

ج1) نشأة متواضعة، قضيت فيها مرحلة الصِّبا المبكرة، قبل إنهاء الدراسة الابتدائيَّة، في (فَيْفاء)، ثمَّ ترحَّلتُ في مناطق المملكة المختلفة، غَربًا، وشَمالًا، ووسطًا، في ثقافة النشأة لم يكن من ألعاب، مثلًا، سوى الحجارة والتراب.  كُنَّا نبني أحلامنا الطفوليَّة بيوتًا من حجارة وطين، ونصنع تماثيل، ونزرع، ونغرس، ونحرث، ونحصد، كما كُنَّا ربما أدرنا في الأماسي بعض المسرحيَّات، محاكين أعلام المجتمع، ممثِّلين بعض الأدوار والأحداث، ولمَّا دخلنا إلى المدرسة، تعلَّمنا كيف نصنع طائرات ورقيَّة، وسُفُنًا ورقيَّة، وكيف نصنع مراوح ورقيَّة، وألعابًا أخرى مختلفة، إنها مهارات اضطرتنا إليها البيئة، وضيق ذات اليد، وفقدان ما يُعرَف في المُدن من ألعاب، بل فقدان ذلك حتى في المُدن نفسها ذلك الوقت، وهي مهارات لا يُحسِنها أطفال اليوم، لقد كانت ألعابًا تعليمية وتربويَّة، على بدائيَّتها، أكثر فائدة بكثيرٍ من ألعاب الأطفال اليوم، الكسولة والبليدة، أو التي تربِّي فيهم العُنف والهلوسة، ذاك كان في جبال فَيْفاء قبل سِنِّ العاشرة، ثم لمَّا ذهبتُ إلى مدينة (الطائف) لاستكمال دراستي للمرحلة المتوسطة، في التسعينيَّات الهجريَّة، كانت نشأة أخرى، نشأة المدينة.  ولا يخلو هذا كله من تأثيرات، مباشرة أو غير مباشرة، في تبلور الثقافة والشخصيَّة، بتأثير النشأة أو البيئة أو ظروف الحياة والمجتمع.

س2) ما بين الهواية والإنتاج الأدبي والإنجاز العلمي والنضال العملي في مجلس الشورى، من يكون الدكتور عبدالله الفَيْفي؟ وماهي المرحلة الأقرب للنفس من كل ما مر بك؟ 

ج2) كلها مراحل يكمل بعضها بعضًا، في حالتي الشِّعر يظلُّ أوَّلًا، موهبة ووراثة، ثمَّ التخصُّص في اللغة والأدب، لكن الأصل هو غواية الكلمة، التي صحبتني منذ الطفولة، الشِّعر لا يمكن أن يتعلَّمه الإنسان؛ لأن الشِّعر إحساسٌ وموهبةٌ يولدان مع الإنسان، منذ المرحلة الابتدائية وأنا أعايش الشِّعر، والحقيقة أن الإنسان يمكن أن يكون متكاملًا في نشاطات مختلفة، ومن العقم، في رأيي، أن يحصر المرء نفسه في إطار ضيق، وبخاصة في المجال الإنساني.  أمَّا عملي في الشورى لثلاث دورات، امتدت لثنتي عشرة سنة، فكان إضافة نوعيَّة أعتز بها.  وقد عملت خلالها في لجان تتعلق بالثقافة والإعلام، وتهتم بالجانب الاجتماعي والحقوقي، وهي مهامٌّ لا تنفصل عن مجال تخصُّصي الأكاديمي، إلا في آليات الاشتغال، وكنت خلال ذلك وبعده أعمل في الجامعة، وأشرف على رسائل علمية، كما أُسهم في عدة منابر، محليَّة وعربية وأجنبية، بمقدار المتاح والمستطاع، أرى الشاعر أوَّلًا، إذن، ثم الناقد الأكاديمي، وهما غير منفصلين عن الناشط الوطني من خلال مجلس الشورى أو غيره. 

س3) لمن قرأت في مطلع حياتك من الشعراء والأدباء وبمَن تأثرت في تجربتك الشعرية والأدبية؟ ما مصادرك الثقافية؟ 

ج3) ناشئتنا كانوا وما زالوا يفتقرون إلى التوجيه إلى القراءة المنظمة والتشجيع عليها، وإذا وُجِد التشجيع، فغالبًا ما يأتي الحث على قراءة بعض أنماط مفروضة من القراءات، إنْ لم تضرّ فإنها لا تنفع ولا تمتع، أذكر أن بدايتي الحقيقية في القراءة الحُرَّة كانت في المرحلة المتوسطة، من خلال مكتبة المعهد العِلْمي في الطائف، وكنتُ ميّالًا إلى مطالعة الكتب العِلميَّة والطبيعيَّة المتاحة، ومع ذلك أذكر، مثلًا، أنني قرأت في تلك المرحلة- وإلى جانب قصص خياليَّة للأطفال كنت أتداولها مع بعض الأصدقاء- كتاب “كليلة ودمنة”، (لابن المقفع)، أو بالأصح من ترجمته، كما قرأتُ بعدئذٍ كتاب “الأيّام” (لطه حسين)، وكتابه “قادة الفكر”، وبعض روايات (نجيب محفوظ)، و(عبدالحميد جودة السحار)، وبعض دواوين لـ(نزار قباني)، وغيره.. هكذا دون تخطيط أو توجيه أو هدف مرسوم، ثم بدأ اهتمامي كذلك بالصحف والمجلَّات، وأدمنت الإذاعة، ثمَّ التلفاز، وللمفارقة فقد كان من حُسن حظِّي أنْ كان من ضمن جائزة تشجيعيَّة، منحت إيَّاها في نهاية أحد الأعوام الدراسيَّة خلال المرحلة الثانويَّة، ديوان (أبي الطيِّب المتنبِّي)، بعناية (عبدالرحمن البرقوقي)، فأكببتُ على مطالعته، ويبدو أن تلك كانت انطلاقتي الحقيقيَّة مع الشِّعر، على أن بوادر المحاولات كانت منذ المرحلة الابتدائيَّة، تلك بعض ملامح البدايات في مطلع حياتي الثقافية.

س4) تحتفون في عدة دواوين بمدينة وجبال فَيْفاء، وفي نفس الوقت نجد عددًا من الأدباء ينجذبون إلى فَيْفاء، هل سحرتهم بهذه المدينة؟ وما هو السر الذي تخبئه فَيْفاء؟ 

ج4) فَيْفاء من حيث المساحة تتكون من مجموعة جبال، ومن حيث السكان تضم نحو عشرين قبيلة، فهي ليست بصغيرة المساحة، ولا بقليلة السكان، غير أن تضاريس المنطقة، وعدم شمول جهاتها بالمواصلات الميسَّرة، تجعل زيارة معظم أنحائها أمرًا عسيرًا، وتجعل الزائر لا يعرف غالبًا غير المركز، فيُخيَّل إليه أن تلك هي فَيْفاء كلها، ولمكانتها فإنها في بعض الكتب التاريخيَّة كانت تسمَّى «بلاد فَيْفاء»، وتوصف بأنها بلاد «واسعة» ممَّا يشي بأنَّها كانت أوسع ممَّا نعرف اليوم، وطقس تلك الجبال معتدل بصفة عامَّة طوال السنة، وأحيل من شاء التفصيل هنا إلى كتابي “جبال فَيْفاء وبني مالك”، المنشور، العام الماضي 2017، عن نادي جازان الأدبي، ومن هنا فإن سر الاحتفاء بتلك المحافظة، ليس لأنها مسقط رأسي، وفيها أرضي الأولى وأهلي وبيتي فحسب، ولكن لأنها أيضًا من أجمل بلاد الله.  

مِنْ  عَرْفِ  فَوْدَيْها  تَنَـفَّسَ  شَارِقٌ

 وعلى  خَمِيْـلـةِ  شادِنَـيْهـا  وَرَّدَا

وما عاد في الأمر سِرٌّ اليوم لمن أراد أن يعرف وطنه أو غير وطنه، فالتقنية الحديثة تنقل إليه ما شاء بالصور الحيَّة.  على أنها منطقةٌ ما زالت حريَّة بالمزيد من الاهتمام الخدمي، لتكون معلمًا سياحيًّا لائقًا.   

-[box type=”shadow” ]من يكتب لأجل الحصول على جائزة فهو تاجر متسلق، والكتابة تمثل شخصية الإنسان المليء بالتناقضات الطبيعية . [/box]

س5) ما بين عام ١٩٩٦م و٢٠١٥م تنقلت ما بين النقد والإبداع الروائي ومن ثم لجأت لكتابة الشعر، هل هو لجوء إلى الذاكرة وحرية الكتابة واستحضار ماضٍ جميل زاه بعيد عن خيبة الأزمنة الجديدة في حياة الإنسان العربي؟ 

ج5) على العكس، بل في البدء كان الشِّعر، كتابة ونشرًا، فأوَّل ما نشرتُ ديواني الشعري “إذا ما الليل أغرقَني”، 1990، علمًا بأن النشاط الشِّعري لا يقاس بنشر الدواوين، بل بنشر القصائد، فالوحدة الإنجازيَّة في الشِّعر هي القصيدة، أمَّا ما يسمَّى “الديوان” فيضم مجموعة من القصائد، تمثِّل مرحلة من المراحل الإبداعيَّة، وقد لا ينشر الشاعر في حياته غير ديوان واحد، إن الشِّعر لا يقاس بالنثر بحالٍ من الأحوال، بل إن غزارة الإنتاج في الشِّعر ليست بمقياس الجودة ولا معيار التميُّز، إنْ لم تكن مؤشِّرًا على استسهال الهذيان باسم الشِّع، شِعر المتنبي، على سبيل المثال، الذي عاش للشِّعر وبالشِّعر، ليس بكثير قياسًا إلى مكانة المتنبي، وبالنظر إلى أن الشِّعر كان شغله الشاغل، حتى للوصول إلى مآربه الأخرى في الحياة.  كما أن قصائد المتنبي كانت تميل غالبًا إلى القِصَر، معظم قصائده تتراوح بين عشرين بيتًا وأربعين، وقليلًا ما جاوزت الخمسين. لماذا؟  لأنه يعرف ما الشِّعر، وأنه ليس بثرثرة يوميَّة.  ولذلك كان المتنبي هو المتنبي، فمن الطبيعي أن يكون نتاج الشاعر غير الشِّعري- إن كان كاتبًا أو باحثًا- أكثر بكثير من نتاجه الشِّعري، وإلَّا كان نظَّامًا لا شاعرًا.

س6) حصولك على الجائزة الدوليَّة الأولى في المسابقة الشِّعريّة لمهرجان “الأقصى في خَطَر (الرابع عشر)”، وكذلك جائزة النادي الأدبي بالرياض والجائزة العربية في الإبداع في الشعر وغيرها، من الجوائز ماذا تعني لك؟ وهل ممكن أن نجد كاتبًا يكتب لأجل جائزة؟ 

ج6) هي جوائز أعتزُّ بها، جاءتني ولم أجئها أو أسعَ إليها، ومن يكتب للحصول على جائزة، فذلك تاجر، أو متسلِّق، أو سمِّه ما شئت.  

س7) الكتابة هي تعبير عن تناقضات عديدة ومتباينة داخل النفس البشرية وترجمة ثقافية واجتماعية لمجتمع ما هل يطابق هذا التعريف مفهومك للإبداع الروائي؟

ج7) نعم، الكتابة الأدبية صورة لشخصيَّة الكاتب، وشخصيَّة الإنسان عمومًا مليئة بالتناقضات الطبيعيَّة، لأسباب نفسية واجتماعية وثقافية، أمَّا كتابة الرواية، فأكثر تعقيدًا، غير أن أزمتنا القرائيَّة، في المقابل، كثيرًا ما تُسقِط النصَّ الروائي على كاتبه، وكأنه سيرة ذاتية، أو كأن الكاتب إنما يسرد تقريرًا عن واقع عايشه، على حين أن الأصل في العالم الروائي أنه عالم متخيَّل، وإن كان ينهض على أرضيَّة من الواقع الاجتماعي، فحينما نقول إن الكتابة الأدبية- ومنها الكتابة الروائية- صورة لشخصيَّة الكاتب، فالمقصود أنها كذلك من حيث الأسلوب، والقِيَم الإنسانيَّة، غير أن استقراء شخصية الكاتب من كتابته لا يتأتى بالمطابقة السطحيَّة بينهما، بل بالقراءة النقدية المدرَّبة والواعية بطبيعة الأدب ووظيفته.

س8) في نصوصك الأدبية المختلفة نلاحظ عن كثب الامتداد الموضوعاتي، أي الاشتغال على نفس الموضوع في أكثر من نص ومجال، ونسوق على ذلك مثالا: “هِجرات الأساطير”، و”بين أسطورة امْحَمْ عُقَيْسْتَاء في جبال فَيْفا”، و”فَيْفاء.. هَبَّـة الطُّفولة” ما هو تفسيرك للتعدد الموضوعاتي في إنتاجك؟ 

ج8) هناك تعدد، وتكامل. نعم ثَمَّة علاقة موضوعية بين “هِجرات الأساطير”، و”أسطورة امْحَمْ عُقَيْسْتَاء في جبال فَيْفا”، لكن هذا العمل الأخير بحثٌ صغير، نُشر في مجلة جامعيَّة، في حين أن الأول كتابٌ شاملٌ حول بعض الأساطير.  أمَّا “فَيْفاء.. هَبَّـة الطُّفولة”، فلا علاقة له بالموضوع؛ فهو ديوانٌ شعري، وإنما يجمعه بما سبق كلمة “فَيْفاء”.  وبالتأكيد أن “فَيْفاء” قاسم مشترك أعظم في حياتي كلها، بما في ذلك لقبي ولهجتي! علاقة المكان لا فكاك منها، فالأماكن تسكننا أكثر ممَّا نسكنها، على أنه يمكن منهاجيًّا التطرق لموضوع واحد من زوايا متعددة، تاريخية، وميثلوجية، وشِعرية.. إلخ.  وفي ذلك إثراؤه، مع المحافظة على المنظور الخاص بكل مقاربة. 

س9) في روايتك «طائر الثَّبَغْطِر» تعالج فهمًا جديدًا للواقع العربي الراهن من الواقع المرفوض، كما أنك تضع منظومة من القيم المفقودة. كيف ترى مجتمعاتنا في الجانب القيمي والاجتماعي؟ 

ج9) تحكي الرواية عن شخصيَّة البطل (وليد موسى)، الذي يمثل نموذجًا إنسانيًّا لابن الجزيرة العربيَّة في غضون التحوُّلات الحادَّة بين القرنين العشرين والحادي والعشرين، بكل التأزمات الاجتماعيَّة والسياسيَّة والإديولوجيَّة الحادَّة التي أحاطت بالمنطقة، وشكَّلت منعطفات تحوُّل، لا على الصعيد الإقليمي فحسب، ولكن على مستوى العالم أيضًا.  وتتوخَّى الرواية مناقشة تلك المرحلة، على نحوٍ نقدي.  مستشرفةً مستقبل المنطقة في ضوء المعطيات المشار إليها.  أمَّا رمز “طائر الثَّبَغْطِر”، الذي اختير عنوانًا للعمل، وكثيرًا ما يُسأل عن معناه، فمشتق من النصِّ ومن شخصيَّة البطل، الشبيهة بذلك الطائر الغامض، المذكور شعبيًّا في جبال فَيْفاء تحديدًا، حيث قال الراوي: “يَذكُره الناس ويكاد لا يَعرفه أحد.  غريب، غامض، يقال إنه طائر مهاجر، وإنه لا يهجع ليلًا.  حتى اسمه لا يُعرَف أصلُه.  ما سمعتُ حكايات وليد موسى إلَّا توارد إلى خيالي ذلك الطائر المجهول، أو شِبه الأُسطوري.” ويعتمد السرد في رواية “طائر الثَّبَغْطِر” على فكرة المدوَّنة التي أنتجها البطل وليد موسى، والتي كانت للراوي مادَّة محوريَّة سرديَّة، وهي تمثِّل ما يشبه مذكِّرات البطل، يضيف إليها الراوي ويعلِّق، بحسب السياق.

تبدأ الحكاية بانشغال الراوي بحكايات وليد موسى، الذي تكثر حوله الشائعات الشعبية، من الاتهام بالجنون إلى تهمة المروق عن الدِّين، فيقصده، بصفة باحث اجتماعيّ، فيتعرف إليه، ويحكي له البطل بعض أطراف حكاياته، غير أن الراوي يكتشف أن لدى الرجل مذكّرات مكتوبة، يدفعها إليه، لأن فيها تفاصيل يطول شرحها، يعرف من خلالها أن الرجل كان طيّارًا، وأنه قد دارَ العالم دارسًا وسائحًا، وتعلّم عدّة لغات، وأن إشكاله يتمثّل في التصادم مع أهل بلده، ورفضهم بعض أفكاره المتقاطعة مع بعض أنساقهم الاجتماعيّة والفكريّة، وذلك هو سبب نبذه وعزله القسري، وإلصاق النعوت والتهم به، وأن تلك المعاناة هي نفسها التي واجهها تاريخيًّا جميع المصلحين في كل مكان وزمان، وتنطلق مذكرات وليد من أيام الطفولة المبكِّرة، وظروف المعيشة والبيئة الريفية.  فيسرد الكثير من الحكايات والأساطير والمواقف التاريخيّة، التي تعبِّر عن معادلات في التجربة الإنسانية عمومًا، بحمولها المعرفية، والتراثية، وإسقاطاتها الحياتية، وإشاراتها الوجوديّة. لقد كان وليد، كما يصفه الناس، طُلَعَة منذ طفولته، فظلَّ شغوفًا بكُلِّ جديد، متطلِّعًا إلى الترقِّي والتغيير.  غير أن ذلك- للمفارقة- هو ما أو رثه نقمة المجتمع.  كان حُلمه الطيران، فالتحق بكليَّة الطيران، وهذا ما فتح آفاقه على ثقافات العالم.  وقد ذهب في أثناء دراسته إلى بعض دول العالم الغربي، قَضَى سنوات في المملكة المتحدة البريطانيَّة، وكندا، والولايات المتحدة الأمريكيَّة، وألمانيا، وبلجيكا، وإيطاليا. وتأثَّر خلال ذلك كلِّه بمشاهداته ومعايشاته أكثر ممَّا تأثَّر بدراسته.  لكنه فَقَدَ حُلم العُمر في مجال الطيران الذي عشقه، على الرغم من تفوُّقه، إذ كان ثَمَّةَ آخَرُ يتفوَّق عليه، فيما لا يَدَ له هو في التفوُّق فيه، جاهًا ومالًا، فرَجَحَتْ كَفَّةُ ذلك الآخَر، بسبب المحسوبيات وفساد الذِّمم، حتى في العِلْم. فترك الطيران، إذ لم يرض أن يكون فنيّ طيران لا طيّارًا، يجوب السماء.  ثم سافر بعدها إلى الخارج لبِضع سنين، لا يدري كيف انقضت، سافرَ تائهًا يرسف في الفشل والضَّنَى والحَزَن.  كان يحلُم أن يرى العالَم كُلَّه، وأن يخلع عباءة بيئته، فيغترب ليتجدَّد، لعلَّه يستريح من صراعه المجتمعيِّ والثقافيِّ الذي بات يحرق أعصابه، ويُمزِّق عقله، ويُقِضّ مضجعه. ثم عاد إلى بلده على قرع طبول الحرب في منطقة الخليج، إثر احتلال العراق للكويت.  فعاش تلك التجربة بكل ويلاتها وعظاتها، وما أورثته العربَ من تمزّق وشتات.  وبعد أن وَضَعَتْ الحرب أوزارها، التحق بإحدى الجامعات، دارسًا علوم الإدارة والاقتصاد، وما هي إلى بضع سنوات وحصل على شهادة البكالوريوس.  ثم التحق بوظيفة حكوميّة.  ولكنه لم يكفُّ عن مزاولة نقده، ومصادماته لما حوله ومَن حوله.  فسُرعان ما فُصِلَ من عمله بتُهمة خطيرة، تتمثَّل في مشاغبة السائد والمسلَّم به.  أراد أن يكون الصادق الأمين، فحوَّلته المؤسَّسة إلى متَّهم بالتزوير والاختلاس، وركلتْه إلى الصحراء.  لا لشيء، إلَّا لأنه ما كان ليَقبل الفساد الإداري والمالي، ولا هُمْ كانوا سيقبلون مَن لا يَقبله!  وهكذا ما برحتْ حياة وليد على تلك الوتيرة، منقطعًا عن عالَمٍ أنكره وعَزَلَه، بل أَلْغَى عقله، ثم سعَى ليُلغي حياته.  وأخيرًا يترك الراوي وليد موسى وشأنه- بعد قراءة مذكِّراته الطويلة، المخضَّبة بدم قلبه ودموع عينَيه- أمام السؤال، الذي لا جواب له: أ يظلُّ وليد موسى هكذا: «مجنونًا»، مستسلمًا لتلك الشِّباك التي ألقاها عليه قومُه، كطائرٍ يحوم في أقفاص صمته، أم هي استراحة الجَناح قبل أن يعاود التحليق؟!

-[box type=”shadow” ]الأدب لا يكتسب قيمته الفنية بكسر القيم الأجتماعية أو بنائها بل بالتحولات النوعية في مادة الأدب نفسها لغويًا وتقنيًا وتعبيرًا [/box]

س10) واستكمالا للسؤال السابق هل بإمكان الأدب والنصوص الروائية أن تؤثر في تشكيل أجيال المستقبل.. وكيف ترى الرواية العربية اليوم؟ 

ج10) بإمكانه ذلك، وتلك من وظائفه؛ فالأدب الذي لا تأثير له لا معنى له، ولكن لا تنسَ هنا أن الكُتّاب بشر؛ وليسوا مثاليين، ولا ينفصل النصّ عن شخصيّة الناصّ، الذهنيّة والنفسيّة، بشكل مطلق. نعم، قد لا يعبّر عنها مباشرة، لكن الكاتب مخبوء في ما كتبتْ يده، شاء أم أبى، برغباته، والتذاذاته، وعُقَده النفسيّة والاجتماعيّة. فهل الرواية اليوم سِجِلّ الروح العربيَّة، وديوان الهويَّة واللغة والثقافة؟  أم قد تكون سجلّ الروح الغربيَّة، وديوان الاغتراب، وشتات الهويَّة والثقافة واللغة؟  الأدب- بصفة عامّة- لا يكتسب قيمته الفنيَّة بكسر القِيَم الاجتماعيَّة ولا ببنائها، بل بالتحوّلات النوعيَّة في مادة الأدب نفسها، لغةً وتقنيةً وتعبيرًا. إن فورة الرواية العربية قامت على أكتاف عاملين: العامل الاجتماعي، صراعًا من أجل تحدّيه وتجاوزه، وتحدي العامل الشِّعري، الذي ظلّ له القِدح المعلّى. لكن لا الفورة الكميّة تُنتج محصولًا جيّدًا ولا الخطاب المحتقن لأسباب إديولوجيّة واجتماعيّة. كلّا، لم تبلغ الرواية نضجها، في العالم العربي عمومًا ليكون لها التأثير المنشود، والمشهد واحد في العالم العربي، وإن بفروق تكاد لا تُذكر، وإذ نقول هذا فبالنظر إلى إجمال التجربة لا إلى المنجزات الفرديَّة هنا وهناك، غير أن الرواية العربية، في تقديري، ما زالت في طور التشكّل الناضج، بعد هدأة البراكين المرحليَّة، فضلًا عن البراكين التجاريّة المصاحبة.  

س11) هل ثمة علاقة جدلية بين النقد والابداع الأدبي؟ وكيف وفقت انت في تجربتك الإبداعية في كلا المجالين بين نوعين مختلفين من الكتابة؟ 

ج11) النقد عِلْم، والأدب فنّ، ولا تنافِيَ بينهما بالضرورة؛ لأن للإنسان مَلَكات متعدِّدة، فليس عقلًا مجرَّدًا، ولا وجدانًا خالصًا، غير أن هناك مَن لا يستطيع التوفيق، وفي كتابٍ لي تحت عنوان «شِعر النقّاد» مقاربةٌ لهذا الإشكال لدى بعض النقّاد الذين يكتبون الشِّعر فيأتي النقد غالبًا على شِعريَّتهم، 

 بيد أن الأدب كذلك ليس بممارسة، ولا حِرفة، بل هو حاجة وجوديّة للأديب، كالتنفُّس، فإذا كانت تلك هي مكانة الأدب في نفس الإنسان، فإنما ذلك كمن يكون جميل الصوت بارعًا في الغناء، وليس من المنطقي افتراض أنه لا يتسنَّى له أن يكون طبيبًا، مثلًا، أو عالم ذرَّة، أو فلَك؛ لأن صوته جميل، ويُحسن الغناء!  صحيح أن الأدب أكثر تركيبًا من أيّ فنٍّ آخر، وأنه فنٌّ نِسغه اللغة والفكر والخيال والانفعال، لكنه في النهاية يظلُّ موهبةً، ومكوِّنًا واحدًا في شخصيَّة الإنسان، لا يستغرق شخصيَّته كلّها.  أمَّا هل من الضروري أن يكون ناقد الشِّعر شاعرًا، فالإجابة: لا.  وقديمًا شبَّهوا المسألة بالجهبذ، الحاذق بالتفريق بين العملة الصحيحة والعملة الزائفة، أو بالبزَّاز- أي العارف بأنواع الأقمشة، وخاماتها- فهذان يعرفان الجيِّد من الرديء، وليس من اللازم أن يكون الأوّلُ هو مَن سَكَّ العُملة، ولا الثاني هو مَن صنع القماش.  

س12) في هذا المقطع من إنتاجك “يزعم بعضهم أنه كان في إحدى مراحل بحثه قد فكَّر في اصطناع جناحَين من أَدَم، كي يطير بهما، محلِّقًا، مستطلعًا مكان أخيه من الجوّ.  طار حتى إذا بلغ مغربَ الشمس فَدَنَا منها، ذاب الجناحان بفِعل حرارة الشمس”.. هل نستطيع أن نقول أنه وصف لحالة عاشها الأديب الفَيْفي بنفسه؟ 

ج12) بصفة شخصيَّة، لا، بطبيعة الحال؛ فهذا المقطع يحكي عن أسطورة شعبية، أمَّا من حيث نموذج الطموح والمغامرة، ومواجهة الانكسارات، فلا شكَّ أنها مشتركات إنسانيَّة، يمرُّ بها الناس جميعًا في رحلة الوجود، بصورة أو بأخرى.

س13) من هي المرأة التي تستكتب وتلهم الدكتور عبدالله الفَيْفي. وحين كتبت في فصولك النقدية “كأن على المرأة لكي تكون على خُلُق فاضل أن تغدو «رجلًا رائعًا»، أو مسترجلة! في خطابٍ وريث قِيَمٍ عتيقة تنظر إلى الرجل وإلى الرجولة على أنهما معيار الفضيلة.” ألم تقلق من إطلاق لقب (مسترجلة) في حضرة النساء؟ 

ج13) هذا مقطع من بحثٍ لي بعنوان “شِعريَّة القِيَم”، حول محاضرة الشاعر (حمزة شحاته)، بعنوان «الرجولة عماد الخُلق الفاضل»  أمَّا المرأة المسترجلة، فتلك التي تتخلَّى عن طبيعتها، وتحاكي الجنس الآخر، بعقدة نقص.  فـ”حضرة النساء” الحقيقيَّات لسن مسترجلات، ولا يسعدهن أن يوصفن بهذا الوصف؛ لكن المجتمع الذكوري نفسه هو الذي قد يفرض على المرأة الاسترجال، لكي تكون على خُلُق فاضل، من وجهة نظره! لأن قِيَمنا الموروثة تنظر إلى الرجل وإلى الرجولة على أنهما معيار الفضيلة، والأنوثة معيار النقص والدونيَّة. فالبحث يعالج هذه السلوكيَّات الفكرية، غير العاقلة ولا العادلة، في خطابنا الاجتماعي والثقافي، ساعيًا إلى إنصاف المرأة.  ومن شاء التفصيل يجده في كتابي “فصولٌ نقديَّةٌ في الأدب السعودي الحديث”.  أمَّا المرأة التي تُلهمني، فمعادلة صعبة.  إنها ليست امرأة من لحم ودم بالضرورة، بل من نموذج افتراضي، قد تكون لها ملامح واقعيَّة، لكنها تظل إلى الحلم الشِّعري أقرب.

س14)  في كثير من  الروايات العربية التي ترجمت إلى اللغة الانجليزية لوحظ ان هذه الكتابات موجهة الى القارئ الغربي أكثر من القارئ العربي من خلال تصويرها للمجتمعات العربية كمتخلفة وبعيدة عن الحضارة كما يتصوره الإنسان الغربي ألا ترى هذا الرأي معممًا وغير منصف للأدب العربي المترجم للغات أجنبية أخرى؟

ج14) إن الهوس بترجمة العمل الأدبي من قِبل مؤلِّفه نفسه هو إلى الطفوليَّة الأدبيَّة أقرب منه إلى النضج الأدبي والحضاري، لأن العمل المميَّز هو الذي يَفرض بقيمته نقله إلى لُغات أخرى، وليست الدوافع النرجسيَّة أو التجاريَّة أو أوهام العالميَّة الساذجة، نجيب محفوظ، على سبيل المثال، لم ينشغل شخصيَّا بترجمة أعماله الروائيَّة، لكن أعماله هي التي أفضت إلى ذلك، وبخاصة بعد نيله جائزة نوبل، وبعض الفائزين بجائزة نوبل إنما نُقلت أعمالهم إلى لغات أخرى بعد فوزهم بنوب، ثمَّ هناك فرق كبير بين الأدب الحقيقي والأدب التجاري، الذي قد يكتب كي يترجم، الأدب نتاج لغة قوميَّة، وشخصيَّة ثقافية، وروح إنسانيَّة مستقلَّة، وعندئذٍ تغدو الترجمة نقلًا تفسيريًّا للعمل الأصل، لا نقلًا للعمل بوصفه نصًّا أدبيًّا، ولذا يتأبَّى الأدب عن الترجمة الأمينة، ولاسيما ما كان ذا طبيعة شعرية، وإذا كانت الترجمة، عمومًا، لا تخلو من خيانة للأصل المترجَم، فإن تلك الخيانة في ترجمة الأدب شرٌّ لا مفرَّ منه.  يضاف إلى هذا أنه من الطبيعي، بل من الضروري، أن تراعي الترجمة القارئَ المستهدف بالترجمة، لغةً وثقافة.  

-[box type=”shadow” ] ترجمة الأعمال الأدبية إلى لغات أجنبية لا يعد نضجًا أدبيًا خاصة وأن الترجمة تعد خيانة للنص الاصلي المترجم [/box]

س15) وعن نفس الموضوع هل يمكن أن نعتبر الأدب الذي يكتبه عرب بلغة اجنبية هو امتداد للأدب العربي الحديث؟ 

ج15) لا ؛ لأن مادة الأدب هي اللغة التي يُكتب بها، وهي التي تمنحه هويته، لا جنسيَّة الكاتب.  إدوارد سعيد، على سبيل المثال، مفكرٌ أميركي أكثر منه عربي، إلَّا ما كتب بالعربيَّة، فلا هويَّة الكاتب، ولا هويَّة الموضوع، يُكسِبان النصَّ هويَّته الأدبيَّة، بل اللغة التي كُتِبَ بها.  في مقابل هذا فإن كثيرًا من شُعراء العربيَّة وأدبائها الكبار قديمًا وحديثًا ينحدرون من أعراق غير عربيَّة.

س16) يرى بعض المثقفين أن الإبداع العربي تفوق كثيرًا على النقد العربي ما هو تقييمك لمسألة النقد الأدبي في العالم العربي اليوم؟ 

ج16) الأدب سابق على النقد الأدبي، وعمل الناقد لا قيام له بلا أدب، وهذا أمر بدهي.  والأدب العربي الحديث، بالمقاييس كلها، يتفوق على المنجز النقدي، تنظيرًا وتطبيقًا، أمَّا ما يتعلّق بمنجز النقد الأدبي العربي الحديث، مقارنةً بالنقد الغربي، فلا مندوحة من الاعتراف أن النقد العربي لم يُنتِج بعدُ ما يُذكَر له على المستوى العالمي.  ذلك أن النقَّاد العرب طائفتان، طائفة غارقة في الغرب، وطائفة غارقة في القديم، وبينهما ثالثة تسعى سعيها المتعثِّر.  لماذا؟  لأن النقد الأدبي ليس بمعزل عن الفلسفة ولا عن التيّارات الفكرية وحراكهما، وحال هذين (الفلسفة والفكر) في عالمنا العربي ما زال من الضحالة، ومن المراوحة بين الاجترار والتبعيّة، بما يجعلهما دون خطّ الإنتاج المضاهي لما لدى الآخَر من المنجَز ومن التحوّلات النظريّة.  وأنا أنظر إلى الأمر هنا في وحدة بنيويّة تفاعليّة، لا ينفصل حال النقد الأدبي فيها عن سواه من المكوِّنات المعرفيّة والحضاريّة.

س17) حيث مرت المجتمعات العربية بفترات متفاوِتة من حيث الازدهار والتعثُّر الثقافي والأدبي كيف نستطيع من وجهة نظركم حل مشكلة التوازن والانخراط في مشكلات العصر التي تواجهها مجتمعاتنا؟

ج17) بالتعليم والعمل، أرى أن تعليمنا للأسف لم يواكب الحياة المعاصرة، إن هو لم يتراجع عمَّا كان عليه في بعض عقود القرن الماضي، ثمَّ تأتي ثقافة العمل، لا أعني العمل الوظيفي المكتبي فقط، بل العمل بمفهومه الشامل، مع تغيير النظرة الاجتماعيَّة الموروثة المتعالية على بعض المهن والحرف والأعمال. 

س18) مواقع التواصل الاجتماعي كيف ترون تأثيرها على الحياة الثقافية والأدبية وظهور أجيال من الكتاب والشعراء العرب؟ 

ج18) وسائل التواصل الاجتماعي تتحول في عالمنا العربي إلى “وسائل التقاطع الاجتماعي”، وهو تقاطع مع جهتين: مع الحياة الطبيعيَّة والتفاعل الحي مع المحيط، سواء في البيت أو في الحياة الاجتماعية، أو حتى في الشارع، على سبيل المثال عُدتُ للتعليم في الجامعة بعد انقطاع ثنتي عشرة سنة، خلال عضويتي في مجلس الشورى، فهالني وضع الطلبة، الذين يحمل بعضهم جوالين في جيبه، وهو مشغول دائمًا بعالم آخَر غير الجامعة والدروس، وليته يستفيد من تلك الوسائل في ما يفيد، أو في ما لا يضر، على أقل تقدير، ومن جهة أخرى، أصبحت وسائل التواصل تستغل في بث مواد مضرة نفسيًّا واجتماعيًّا، ومثيرة للشحناء، ونشر الشائعات، وبث العصبيات، وربما الكراهية والتحريض على العنف.  أمَّا تأثيرها على الحياة الثقافيَّة والأدبيَّة، ففيها ما هو إيجابي من سرعة نشر المعلومة، وسهولة النشر الثقافي، لكنها كذلك تستهلك وقتًا ينفق عشوائيًّا، وتستنفِد الطاقات الذهنية والنفسية في غير طائل، فضلًا عن الوقت المهدر بسببها، ما لم تستعمل بوعي وترشيد صارم.  هي سلاح ذو حدين، إذن، يغلب استعمال حدِّها السلبي الضار في المجتمعات المترفة.  

س19) بعد هذا الكم من الإنتاج والمشاركات الثقافية هل ترى أنك راض عن مسيرتك ومشروعك الأدبي؟ أم ما زال لديك طموحات لم تتحقق؟ 

ج19) أرجو أنْ لا أرضى، لأن ذلك يعني التوقف، ما أنجزته، مع حمد الله عليه، متواضع جدًّا، والطموح أكبر، وإنما هذا جهد المقل.

 

س20) لو تركت العمل الأكاديمي في الجامعة هل تعمل بالإعلام أم تتفرغ للكتابة الأدبية فقط؟ 

ج20) لكل حادث حديث، لكن علاقتي بالإعلام تظل علاقة المؤمن بأهمية الإعلام في إيصال المنتج الفكري أو الأدبي، لا علاقة المتخصص في العمل الإعلامي، أو الخبير في ميدانه، ولذلك حينما يكون المنبر الإعلامي متوائمًا مع مجالي في الأدب والثقافة، فهو محلَّ احتفائي وإقبالي.  لا شكَّ أن التفرغ كذلك مطلب، فلدي مشاريع مؤجَّلة، أو متعثرة، أو غير مكتملة تنتظر.  وأعتقد أن عملي الأكاديمي والشوروي لأكثر من خمس وثلاثين سنة يشفع لي بالتطلُّع إلى ذلك.

س21) بماذا تود أن تختم هذا الحوار؟

ج21) أودُّ أن أختمه بشكرك، وشكر صحيفة هتون الإلكترونية، التي أتاحت لي هذه الإطلالة، وأرجو أنْ لا أكون قد أطلت في إجاباتي! وإذا كنتُ قد فعلتُ، فإني أحمِّل تبعة ذلك على المستضيف الكريم، الذي أبى إلَّا أن يوسعني بوابل من الأسئلة المتنوعة والمهمة، التي تستدعي مثل هذه الاستفاضة.

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88