11المميز لدينااستطلاع/تحقيق/ بوليغراف / هستاق

“البلدُ الطيب أهلها” … نسمات الخير تجمعنا في رمضان.

 منذ أيام قليلة حلّ علينا أعظم ضيف على قلوب المسلمين جميعًا، ضيفٌ حمل معه الرحمات والمغفرة والبركات؛ لينشرها في ربوع الأرض قاطبة، وحال لسان جميع الخلائق “رمضان أهلا”، جميعهم تسابقوا لاستقبال هذا الشهر العظيم، ففي رمضان طول الوقوف بين يدي الله ينسينا دنيانا وأشغالنا ولذة التراويح تمتعنا، وكثرة الركعات تريحنا، وإطالة السجود يرفعنا، في رمضان الأكتاف تتلاحم، والأقدام تلتصق، والخشوع يهيمن على العباد، وتتنزل الرحمات، صلاة القيام أثابكم الله كلمات تدغدغ الآذان وتتحول لأجمل ألحان .

تقرير / محمد العبد اللطيف

ومصر البلد الطيب أهلها.. بلد المآذن والمساجد … بلد الرجال… وأم الرجال.. نيلها يروي الظمآن وترابها زعفران، مصر الأزهر.. مصر الكِنانة التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم ” أهلها في رباط إلى يوم القيامة”، من لم تطأ قدمه أرض مصر ولم يرى أهلها فما رأى الدنيا ولا الناس.

مصر أم المجاهدين… قاهرتها قهرت الأمم، وعمّ خيرها العرب والعجم، ولنا في أرض مصر سير وعظات، في كفورها وقراها ومدنها، ملاحمٌ سطرها التاريخ بأحرف من نور ليست فقط في قتال العدو وإنما في قتال الفقر الذي هو أساس كل بلاء وسبب كل داء.

ومن هذه النماذج الطيبة المشرفة قرية ميت حمل إحدى قرى مركز بلبيس محافظة الشرقية التي وقفت في وجه الفقر، قرية تمتلك من الشباب مَنْ يستطيعوا تحويل المستحيل لأمر حقيقي مشهود، إذ وقف أبناء القرية مستقبلين شهر رمضان عازمين على ألا يكون في بلدتهم فقير ولا محتاج وبفضل رب العباد تمكنوا من تحقيق الصعاب، خلال هذا الشهر الكريم قام شباب القرية الأطهار بتوزيع ما يقارب ألف شنطة رمضانية على الأسر المحتاجة

والمساعدة في فك الكرب عن الأمهات الغارمات، تجهيز وجبات ساخنة للمارة، وعمل معرض لملابس الأطفال والأسر الفقيرة،

ومن مميزات أهل القرية، أنهم يتجمعون على الخير بكل صوره وأشكاله، يتجمعون لعلاج الفقراء من بلدتهم حتى ولو كان المريض بلا حسب ولا نسب، يتجمعون لتيسير الزواج للغير قادرين.

يتجمعون للخير أينما كان، ومن صور الخير ما قام به أبناء القرية من فكرة عمل بنك دم خاص بأهل القرية في أكثر من مستشفى على مستوى محافظة الشرقية، حملات للتبرع بالدماء من أجل الحفاظ على أرواح أهلها.

الأمر ليس بغريب على هذه القرية؛ لأن الإنسان الذي يملأ قلبه العلم والإيمان والتقى والورع ليس من الغريب عليه أن يكون الخير دربه ومسلكه، فتاريخ هذه القرية شاهد لها على أصالتها وعراقتها، وأبنائها العلماء شهود لها على أنها دوحة العلم ورمز الأصالة والكرم.

وإذا تطرقنا لأبناء القرية وتاريخها العريق نجد من أبنائها الشيخ  العلامة “أحمد الحملاوي”  العالم الشهير صاحب كتاب “شذى العرف في فن الصرف”، وإذا نظرنا إلى معالمها نجد أن بها المسجد الكبير، مسجد بناه الظاهر بيبرس أي بُني المسجد منذ حوالي سبعة قرون، وكثير من المعالم التي لا يمكننا حصرها في مقال واحد، وكان لصحيفة هتون جولة في هذه البلدة المباركة، ولا يفوتها الفرصة في عرض بعض آراء أهل القرية عن شعورهم وذكرياتهم الرمضانية، وكان كبار السن لهم النصيب الأوفر من اللقاء للحديث عن ذكريات الشهر العظيم وعن ملامحه، معبرين عن افتقادهم للطقوس الرمضانية الجليلة التي كانوا يعيشونها مع الأهل والجيران، ومع الحديث إلى الحاج “عبد العزيز هدهد” الذي تجاوز عقده الثامن، موضحًا لنا أن رمضان زمان غير رمضان اليوم فقد كنا نتبادل التهنئات وكنا نشعر بروحانيات رمضان الجليلة قبل دخوله علينا على الرغم من عدم وجود الكهرباء ولا التليفزيون ولا وسائل الترفيه الموجودة حاليًا، وكان جُل اهتماماتنا بالصلاة والتسبيح وذكرالله وقراءة القرآن والتحميد، وأيضًا كان كل بيت من بيوت القرية يأتي بشيخ ليقرأ القرآن من بعد صلاة التراويح وحتى صلاة الفجر وهو ما يسمى عرفًا عند المصريين ( بالسهرة)، وكان رمضان يأتي علينا في أشد أيام الصيف حرارة ومع أعمال الزراعة الشاقة في نقل الحبوب من مكان لمكان وعلى الرغم من شدة العطش التي كنا

نشعر بها إلا أننا ننتظر الثواب من رب العالمين .

وبالحديث إلى الأستاذ الكبير “صلاح عربد”:خبير المواد التاريخية والمتخصص بالتاريخ المصري المعاصر حينما سألناه عن موائد الرحمن في مصر وما تاريخها؟؟؟ أجاب قائلًا: بدأت الفكرة منذ عصر الدولة الطولونية عندما أقام أحمد بن طولون فكرة إقامة وإعداد وليمة كبرى لكبار التجار والأعيان وكبار رجاله وأصدر أمرًا لهم بفتح بيوتهم ومنازلهم لإطعام الفقراء في رمضان واستمرت هذه العادة، ومن هنا كانت فكرة موائد الرحمن

وبالحديث مع الأستاذ محروس أبوشرخ :والذي تجاوز عقده الخامس_ يروي لنا بعض ذكرياته من هذا الشهر الكريم قائلًا: لم تكن هناك كهرباء لمعرفة وقت آذان المغرب، وكنا ننتظر جميعًا أمام المسجد الكبير بالبلدة وبمجرد سماع صوت المؤذن من أعلى المئذنة يجري كل الأولاد والبنات يطوفون بشوارع القرية معلنين الإفطار، ذكريات لا تزال محفورة في خواطرنا، وننتظر عودتها دائمًا ولكن هيهات يعود الزمان مرة ثانية بعطره الجميل،مبينًا أن من عادات المصريين في شهر رمضان (الفانوس )، وهو أحد أهم الطقوس الرمضانية لدى المصريين وغيرهم في العالم الإسلامي،فهو رمز وبشير خير لقدوم الشهر الفضيل، ولا يكاد يخلو بيت مصري من فانوس رمضان

وأثناء حديث هتون مع الحاج “أحمد الباشا”: متخطيًا حاجز السبعين عامًا عن هذه العادة أجاب: فانوس رمضان رمز وروحانية من روحانياته وله شكله الخاص المعروف لكن ما يجري اليوم من تغييرات شكل الفانوس يعتبر تغيير للثقافة الرمضانية والطابع العام، موجهًا لي سؤالًا هل تعرف ما سبب جعل الفانوس من الطقوس الرمضانية؟؟؟ أجابني الحاج أحمد قائلاً يا ولدي هذه موروثات نحكيها لأبنائنا حينما دخل المعز لدين الله الفاطمي القاهرة ليلًا في شهر رمضان استقبله أهلها بالمشاعل والفوانيس، ومن هنا ظل الفانوس هو عادة الشهر الذي لا تتغير

وحينما التقينا الحاجة “سعاد طواجن: بمنزلها وسؤالها عن روحانيات رمضان قديمًا والآن قالت:هذا الشهر له طابع خاص لدي، فأنا أوازن فيه بين أعمال بيتي على الرغم من كبر سني ولكن أعمل كل شيء بيدي، فأنا مواظبة على صلاة الفجر يوميًا وأظل في تسبيحات وتكبيرات لربي،هذا ما تعودنا عليه في صغرنا، أما جيل الآن لا يعرف عن رمضان غير المسلسلات والبرامج التافهة، مؤكدة أن رمضان للعبادة فقط وليس للطعام والشراب كما يفعل البعضوقال الحاج “فؤاد بدرة”:تمر الأيام وتبقى ذكريات رمضان راسخة في أعماق القلب وخصوصًا أيام الطفولة والبراءة، فما أكثر و أجمل ليالي رمضان والصلاة والتهجد وكنت أذهب إلي المسجد قديمًا ولا يوجد كهرباء وما أحلى العودة إلى هذه الذكريات، أما رمضان الآن نشعر بأننا لا نصل إلى روحانيات الماضي وعبقه، ولكن الغالبية العظمى من الشعب المصري حين يتحدثون عن رمضان، ينظرون إليه نظرة روحانية، فهذا الشهر به ليلة خير من ألف شهر، فمهما اختلفت الأزمان وتغيرت الأحوال، يبقى رمضان بأيامه العطرة الطاهرة.   

 

وفي الختام نقول أن :شهر رمضان شهر الخير والبركة والمغفرة وفيه يتقرب العبد من رب العالمين؛ طمعًا في جنته ورحمته، فيه ليلة خير من ألف شهر، وفيه نشعر ونستشعر الرحمات من ملك الملوك، نشعر بمغفرته ورضاه، في رمضان في كل ليلة إحساس غريب بأن الله قد غفر الذنب وأعتق الرقبة، فيارب لا تحرمنا من الوقوف بين يديك وأخرجنا من رمضان بذنب مغفور.

 

 

مقالات ذات صلة

‫14 تعليقات

  1. بارك الله فيك، تقرير رائع، بالفعل رمضان هو شهر العبادة السنوي ويجب فيه الاستزادة من الخير والعبادات، وأعجبني جدا ذكريات ابائنا وأمهاتنا اعزهم الله ورزقهم الصحة.

  2. من المميز أن هذا الشهر من أفضل شهور العام لأنه يتجمع فيه الخيرات والموده والرحمه وتنزل فيه البركات.. تقرير رائع

  3. قرية ميت حمل.. من أجمل القري في محافظة الشرقيه تستقبل شهر رمضان بالخيرات والموده والالفه بينهم

  4. اعارض كلام الأستاذ.. أحمد الباشا في تغيرات شكل فانوس رمضان.. ففي التغيرات يعتبر هذا من التقدم التجاري ولكن لا شك أن الفانوس تكون له روحانيه من روحنيات هذا الشهر الكريم

  5. ماشاء الله استاذي ومعلمي وقدوتي زادك الله علما ونفع بك الامة .صراحة هذا من الموضوعات الرائعة جدا وخصوصا انه يتحدث عن الشهر الكريم. بارك الله فيك

  6. صحيفة هتون الإلكترونيه من أجمل الصحف الإلكترونيه في الوطن العربي.. بالتوفيق وبالتقدم المستمر

  7. الجمعيات الخيريه.. من أجمل الأماكن في مصر وخاصة في شهر رمضان بسبب الخيرات المتقدمه من جميع الفئات

  8. موضوع جميل حدا جزاك الله خير استاذ محمد فهذ افضل وصف لمصر واهلها فى هذا الشهر الكريم فمحافظة الشرقيه معرف اهلها بالكرم وحب الخير لبعضهم وانهم يد واحده على فعل الخير ورمضان الشهر الكريم يبين ما بداخل الناس من حب وموده
    انه تقرير متميز من استاذ متفوق نتمنى له كل التوفيق ونقدم له كل الاحترام

  9. بالتوفيق والنجاح الدائم استاذ محمد تقرير متميز رجعنا لايام زمان الايام الجميلة وعمل الخير في رمضان وغير رمضان ربنا يبارك فيك ويحفظك ويكثر من امثالك

  10. تقرير متميز رجعنا لايام زمان بارك الله فيك وجزاك خيرا أهل القرية يتميزون بالمودة والتعاون والمشاركة في الخير والافراح والأحزان اكثر الله من الصالحين الأبرار كما في قريتنا

  11. ماشاء الله بارك الله فيك استاذي وقدوتي في عمل الخير والمشاركة موضوع رائع وجميل لن نشاهد الزمن الجميل ده

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88