سجينة لكنها مظلومة
أمرتها بالخروج فأبت ، ثمّ أمرتها ثانية فأبت ، فحاولت معها الثالثة فأبت ، وهنا استوقفتني قائلة: لو استبدلتني بأضعاف أمثالي قيمةً ما زادت عن ردّي هذا ، فانظر خلفي تدرك قصدي ومعذاري ، فقد طال مكثي وانتظاري ، فارضَ بما ترى وكن معي في جَهدي ، وانتظر مَن أنتظره لعلّ ذلك يُجدي ، فأجبتها على مضض وأنا أتمتم :
أجبتُ لدعواها فكانَ انتظارنا
وإن ننتظرْ فالصبرُ موعدهُ الفَرَج
كذا أجابتني من تحفظ لي وقتي من الضياع ، إذ لم أجد بُداً من الاستجابة لها والانصياع ، فهي من أخذتني من بيتي فكفلت لي إنجاز أشغالي ومهامي دون تقصيرٍ منها يفرّط الدقائق الثمينة من ساعات يومي ، وقد قيل : ” الأمور مرهونة بأوقاتها “.
قد يكون هذا الحوار ضرباً من الخيال المجنون ، أو نوعاً من جنون الخيال المظنون ، لكنه واقع مهما اختلف المسمّى ، ومن منّا لم يلحظه في موقفٍ أو منحى ، فإن كان هذا الحوار جنوناً ، فليس من العقل أن تقف سيارتي منتظرة خلفها سيارةً أخرى قد أعاقتها عن الحركة والسير ، فمنعتها عن المنفذ والخروج ، وكبّلتها كالسجين المصفود ، بوقوفٍ مُنحنٍ عشوائي ، أبعد ما يكون عن السلوك النظامي ، ولربّما أخذتُ بالبحث عن صاحب السيارة القابعة الهاجعة بين محلٍّ وآخر ، كالشرطي الباحث عن لصّه ، أو الأب المفتّش عن ولده ، أو القط الجاري خلف فأره ، ولكن لا حيلة لي في الهرب من هذا الجنون إلّا الصبر ولو لبرهة من الزمن ، فإن طال الانتظار فما القرار ؟! ، وتكاد الحال أن تكون أشبه بقول الشاعر :
غريب الدار ليس له صديق
جميع سؤاله : كيف الطريق ؟!
تعلّق بالســؤال بكــلِّ شيءٍ
كما يتـعلّـق الرجـل الغـريـق
سلبية اجتماعية تكاد تكون متفشّية إن لم تكن فعلاً كذلك ، سلبت حقّاً من حقوق الطريق والتعليمات المرورية ، فلا وقوف نظامي ، ولا شعور إنساني ، ولا أدب ولا ذرابة ، ولا فسحة ولا مسافة ، تَسْمحُ بالتجاوز ، وتَنْدحُ بالانسلال ، عجباً لهذه الأنانية ولمن أبى الالتزام بالنظام ، كيف قطع تفكيره عن مصالح الناس فأغلقه وضيّقه في مصلحة نفسه ، لننتظر سعادته ، ونرقب مسيرته ، فنشحن عقولنا تفكيراً به ، ونصبر صبراً مريراً له ، ومهما ضربنا وعلّقنا على منبّه المقود كان الصمم منه حاضراً والطرش في أذنه واقراً ، قال شوقي :
لقد أنلتك أذنـاً غيـر واعــيةٍ
وربّ مستمعٍ والقلب في صممِ
فنقول في أنفسنا : لعلّه معذور ، وإذا تأكدنا ، ما هو والله بذاك ، وإنّما هي عشوائية وفوضى ، إحساسها مفقود ، وأدبها مردود ، ونظرها محدود ، أكلت عليك وقتك ، وربّما أخلفتَ بسببها وعدك ، أو أخّرتك عن طالبٍ لدواءٍ ، أو عن قطع تذكرة لفضاء ، نعم .. إنّها سلبية جعلت سيارتك وقتها ضحية لمن وقف خلفك ، وهو الصاحب الساحب لهوى نفسه في السوق ليشتري ويبتاع ، وأمّا أنا وأنت فقد أوقدنا انتظاره في لوعةٍ وأسفٍ والتياعٍ ، أهذا من العقل ؟! ، أم هو الجنون بعينه !!. قال رفاعة الطهطاوي :
فيالها من خصلة ذميمةْ
في تركها مصلحةٌ جسيمةْ
فما العلاج لهذه السلبية ؟! ، أيكون وضع قُمْرة المراقبة ( وهي أصل عربي تعني الكاميرا اليوم ) حلّاً ، أم ننتظر من ساهر أن يحلّ هذا الإشكال بطريقته الخاصة التي قد لا تعجب الكثير منّا !؟
– فاصلة منقوطة ؛
وأخلاقُ ذي الفضْلِ مَعرُوفَةٌ
ببَــذلِ الجَميلِ، وكفّ الأذى
أبو العتاهية
—————
إبراهيم الوابل – أبو سليمان
ibrahim7370@
الاثنين – الموافق
29 – 5 – 1440هـ
4 – 2 – 2019م
مقال جميل إستاد إبراهيم
جميل جداً ومهم و يقال ( من أمن العقوبة أساء الأدب ) فلابد من وقفة جادة لردع هذا السلوك الغير أخلاقي والغير حضاري .. شكراً للكاتبنا وصحيفتنا
جميل جدا أسلوبك في الكتابة أستاذ إبراهيم.
فعلا متميز كالعادة تجعلنا نتفاعل مع الحوار وكأنه حقيقي، وبعد أن ننهي المقال نرجع إليه لنتحقق.
بالتوفيق لك كاتبنا المتميز
مقال ممتاز، وللأسف من أمن العقوبة أساء الأدب.
بارك الله في قلمك أستاذ إبراهيم، دائما مبدع
مبدع كالعادة
غريب الدار ليس له صديق
جميع سؤاله : كيف الطريق ؟!
تعلّق بالســؤال بكــلِّ شيءٍ
كما يتـعلّـق الرجـل الغـريـق
حتى اختيار الشعر عندكم فن!