المثقف الجوكر
إن مواقف معظم المثقفين العرب صعدت، وهبطت، وتبدلت يمينًا ويسارًا عبر العقود الماضية، فنجد بعض المثقفين من دعموا هذا الزعيم، أو ذاك، وساندوه ومدحوه، ثم قاموا بالهجوم عليه في فترة مختلفة، ومنهم من تبنى الأيديولوجية الدينية أو اليسارية ثم انقلب عليها، وآخرين كانوا من أشد دعاة التنوير والديمقراطية والدفاع عن حقوق البشر، فأصبحوا يدافعون عن الديكتاتوريات العربية ويبررون استبدادها.
إنهم المثقفون الذين يؤدون دور “الجوكر” المشهور في لعبة الورق، فهو يصلح لكل الأوضاع ويتكيف مع الظروف، وهذا حال بعض المثقفين العرب الزئبقيين الحربائيين، الذين يمتلكون المقدرة على لعب دور الجوكر في الحياة السياسية والثقافية، وينتقلون بين مذهب وآخر، بين أيديولوجيا وأخرى، بين فلسفة وفلسفة، بين موقف ونقيضه. تراه مرة تقدميًّا ومرة أخرى رجعيًّا، يدافع مرة عن مصالح الناس، ومرة يجمِّل وجه الأنظمة.
اللافت أن تحول المثقفين غالبًا يحصل من أصحاب الأفكار اليسارية الليبرالية نحو الأفكار اليمينية المحافظة، ولم نشهد إلا نادرًا تحول مثقف يميني نحو اليسار. هم هكذا لا أصالة لهم، ولا يقفون على أرض صلبة، يتحولون ويدورون كيفما دارت الريح.
في الغالب يعاني المثقف الجوكر من عقد متعددة مركبة، يعمل على اصطناع الرصانة والشرف، وحين يشعر بالعجز الذاتي وفقدان الحيلة والمبرر، أو إن فقد جدوى الأسلوب، تراه يستخرج كل عُقَدِه وينقلب على الآخرين، يرميهم بالشتائم بصورة هستيرية، تصل نوبة الغضب لديه إلى ذروتها فيكيل السباب للأشخاص والمجتمع ويتوعدهم بالويل.
ولأن المثقف الانتهازي لا مبدأ له ولا معيار، لذلك يلجأ دومًا إلى نشر الثقافة التبريرية في الوسط الذي يعمل ويتحرك فيه، حتى يتاح له تبرير وتفسير سلوكه الوصولي.
إن كان الفرد الانتهازي عبارة عن إمّعة خاوية بعقل فارغ، همه إشباع غرائزه على حساب الرأي والفكر والموقف، لا يرى في أي مشهد سوى مصالحه، ولا يرضى عن تحقيقها بديلاً، إلا أن الأمر يصبح خطرًا إذا كان الانتهازي سياسيًّا، ومأساويًّا إن كان مثقفًا، وكارثيًّا إن كان رجل دين، حيث تصبح الانتهازية تدريجيًّا مكونًا ليس غريبًا عن ثقافة المجتمع.
المثقفون الانتهازيون كانوا دومًا السبب خلف الانتكاسات التي أصابت الثقافة والمشهد الثقافي العربي، وهم أبطال الخراب الذي طال المجتمعات العربية، وشركاء في الهزائم التي منيت بها الأمة العربية، لأنهم لم يكونوا يومًا منتمين للشعب، بل عملوا على تفتيت مواقف الناس وتمييعها ونشر البلبلة والتبرير، وخداع الجماهير وخيانة مصالحهم وحقوقهم، وتضييع الأهداف وخلط الأصلي بالمزيف، وتزوير الواقع، وممارسة الكذب والنفاق، في مجتمعات عربية ما زالت تتفشى فيها الأمية والجهل، ويختلط على عامة الناس المقياس والمعيار.
الفاجعة حين ترى الكثير من المثقفين الانتهازيين وهم يدعون الوطنية والانتماء، ويتبجحون بالشعارات القومية ومصالح الأمة، ويتظاهرون بالوقار والحصافة والرأي السديد، ويبدون الحرص على مصالح الوطن والدولة والشعب، فيما هم أصحاب قلوب خاوية وعقول بائرة، منحرفين سريعي الانزلاق، يرمون بكل شيء في مقابل تحقيق مصالحهم. والأمر المثير أن يصل العبث درجة تدفع ببعض هؤلاء المرضى إلى كيل الاتهامات للمثقف النزيه الشريف صاحب المبادئ، وذلك بغية إحداث أجواء مائعة غائمة، وتعكير نقاء الماء ليتمكنوا من التمويه والتخفي في وسط غير واضح، ومن ثم التصيد لاقتناص المنفعة.
من سمات المثقف الجوكر، الكذب ثم الكذب على نفسه وعلى المجتمع، بحيث لم يعد يعرف سواه. وكلكم تعلمون أن الكذب رأس الخطايا وبدايتها، لذلك فإن جميع المظاهر المقيتة التي يُظهرها المثقف الانتهازي بصفة عامة إنما هي بسبب (كذبه، ونفاقه، وغدره) الذي يعتبره ذكاء، وفطنة، ونباهة منه، فيما هو إنسان يقوم بوضع المفاهيم الأخلاقية والقيم الإنسانية رأسًا على عقب، حيث يصبح الحق باطلًا والزيف فخرًا، وهنا يكمن جوهر الخطر الحقيقي لهؤلاء.
☘️??☘️??☘️??☘️??☘️??☘️??
بقلم الكاتب والمفكر العربي/ حسن العاصي
معك حق، فهؤلاء عقولهم خاوية إلا من مصالح شخصية، وللأسف يسيطرون على المشهد بكامل أركانه!
المشكلة أن المثقف الجوكر يتقن العزف على أوتار الجماهير مستعطفًا مرة وساخطًا مرات.
مقال جميل جدا.
جميل جدا، وللأسف هذا واقعنا المُعاش.
مقال ممتع وشيق
للأسف تعبير واقعي جدا عن ما يحدث في أوطاننا!
ابدعت ابدعت يا استاذ ..بارك الله فيك
عجبني وصفك لهم بالزئبقيين والحربائيين
حكايات بين الممرات
زاوية جميلة وشيقة
هذا حال كثير من المثقفين العرب للاسف
شكرا لصحيفة هتون لنشرها مثل هالمواضيع الجريئة
هؤلاء مرضى نفسيون وليسوا بأسوياء
فعلا غالبا هم اهل اليسار
اين القيم والاخلاق والضمير ؟ لماذا نتلون؟ ولماذا ننافق؟
شكرا لك الكاتب والمفكر العربي/ حسن العاصي
المثقف الجوكر اصبح ظاهرة واضحة للعيان
لماذا لم يكشف الاعلام العربي هولاء الخونة المرتزقة
مقالة عميقة ومفيدة
شكرا لكم
مفكر رائع ومميز
صحيفة هتون كعادتها دايما متميزة
بوركت أستاذنا، واقع مؤلم جدا واستطعت أن تعبر عنه بطريقة بديعة.
كم انتا مبدع استاذ حسن
صحيفة هتون أرض العملاقة
مقال ممتاز
كاتب دائما يطرح قضايا نوعية ومقالات مميزة واسلوب يأخذ القاريء في غمار المقال..
شيء عظيم للغاية
مقاله تحمل في طياتها الألم ،
مقال مميز
واقع جدا
من سمات المثقف الجوكر، الكذب ثم الكذب على نفسه وعلى المجتمع، بحيث لم يعد يعرف سواه. وكلكم تعلمون أن الكذب رأس الخطايا وبدايتها، لذلك فإن جميع المظاهر المقيتة التي يُظهرها المثقف الانتهازي بصفة عامة إنما هي بسبب (كذبه، ونفاقه، وغدره) الذي يعتبره ذكاء، وفطنة، ونباهة منه، فيما هو إنسان يقوم بوضع المفاهيم الأخلاقية والقيم الإنسانية رأسًا على عقب، حيث يصبح الحق باطلًا والزيف فخرًا، وهنا يكمن جوهر الخطر الحقيقي لهؤلاء
إن كان الفرد الانتهازي عبارة عن إمّعة خاوية بعقل فارغ، همه إشباع غرائزه على حساب الرأي والفكر والموقف
مقال مميز للغايه
مقال متميز جدا بورك قلمك.
الفاجعة حين ترى الكثير من المثقفين الانتهازيين وهم يدعون الوطنية والانتماء، ويتبجحون بالشعارات القومية ومصالح الأمة، ويتظاهرون بالوقار والحصافة والرأي السديد، ويبدون الحرص على مصالح الوطن والدولة والشعب، فيما هم أصحاب قلوب خاوية وعقول بائرة، منحرفين سريعي الانزلاق..
هي فاجعة حقيقية وفساد مقيم في المجتمع!!
بورك قلمك أستاذ حسن، دائما تلمس مشكلة مجتمعية وتتحدث عنها بأسلوب جميل.
مقال مميز، وأسلوبه جميل جد.
دائما ما يطرح كاتبنا قضايا نوعية مجتمعية ومقالات مميزة وأسلوب يصحب القارئ إلى أعماق المقال..
عظيم جدا بالتوفيق لك أستاذ حسن.
إبداع ماشاء الله بالتوفيق
موفقين